وأما ما يُحتَجُّ له أنَّ النبيَّ ﷺ وأصحابَهُ ترَكُوا مالَ فتحِ مَكَّةَ، وأنَّهم لم يأخُذُوهُ، وقد أَوْجَفوا عليها بخَيْلِهم ورِكَابِهم، فلِوَحْيِ خاصٍّ، فكما قسَّمَ اللهُ الغنيمةَ بوَحْي، خَصَّ مكَّةَ بوَحْيِ.
وأمَّا إعطاءُ النبيِّ الأقرعَ بنَ حابسٍ وأصحابَهُ يومَ حُنَين مئةً مئةً، فلا يَلزَمُ مِن ذلك عدمُ تخميسِ الغنيمة، فقد يكون مالُ حُنَيْنِ كثيرًا، وكان خمسُ النبيِّ كثيرًا فأعطاهُمْ منه، وقد يكونونَ عُوِّضُوا بشيءٍ لا يُعَوَّضُهُ أحدٌ بعدَهُ، وهو أعظَمُ مَغنمٍ، وهو قُرْبُ رسولِ اللهِ ﷺ منهم؛ كما قال:(أمَا تَرْضَوْنَ أنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ )؛ رواه البخاريُّ ومسلمٌ (١).
وليس لأميرِ أن يقولَ لجُنْدِهِ مِثْلَ ما قاله النبيُّ ﷺ لجُنْدِه؛ وهذا دليلٌ على خَصُوصِيَّتِهِ في مِثلِ هذه الحالِ.
كان في نفوسِ بعضِ المؤمنينَ كُرْةٌ للِقَاءِ قريشٍ، فأَمْضاهُ اللهُ وحقَّقَ لقاءَ المؤمِنينَ بالمشرِكينَ؛ وفي هذا: أنَّ الأحكامَ لا تثُبتُ بكراهةِ النفوسِ ونُفُورِها، وأنَّ للنَّفْسِ كرهًا ونفورًا طبعيًا لا أثَرَ له على الأحكام، وهو ممَّا لا يُؤاخَذ به المؤمِنُ؛ ما لم يُعارِضِ الحقَّ الصريحَ بعدَ جلائِهِ بقولِهِ أو فعلِه.