للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول الآخَرُ لأبي حنيفةَ: أن النفَلَ يكونُ مِن خُمُسِ الخُمُس، وما زادَ عن ذلك، فليس للإمامِ حقٌّ فيه.

القولُ الثالث: أنه يُخرَجُ خُمُسُ الغنيمة، ويكونُ النفَلُ مِن الأربعةِ الأخماسِ الباقية، يُنَفَّلُونَ منها بحسَبِ منَ يَستحقُّ نفَلَهُ، ثم تُقسَّمُ.

ومِن العلماءِ: مَن جعَلَ النفَلَ والغنيمةَ للإمامِ؛ إنْ شاءَ خمَّسَها، وإنْ شاءَ نفَّلَها كلَّها، فجعَل الآيتَيْنِ مُحكَمتَيْن، وهي كالخِيارِ للإمام؛ نُسِبَ هذا إلى النخَعيِّ وعطاءٍ ومكحولٍ، وقال به بعضُ المالكيَّةِ؛ حكَاهُ المازَرِيُّ عنهم؛ وذلك أنَّ اللهَ تعالى ذكَرَ في آيةِ قسْمةِ الغنيمةِ الخُمُسَ، وجعَلَهُ للهِ ولرسولِهِ ولذي القُربي واليتامى والمساكين، وسكَتَ عن الباقي، والسكوت مُشعِرٌ بالتخييرِ وأنَّها للإمام، ونسبةُ هذا القولِ إلى مكحولٍ وعطاءٍ والنخَعيِّ بإطلاقِ غلطٌ؛ فالمرويُّ عن مكحولٍ وعطاءٍ: ما رواهُ عِمْران القَطَّانُ، عن عليِّ بنِ ثابتٍ؛ قال: "سَألْتُ مَكْحُولًا وَعَطَاءً عَنِ الْإِمَامِ يُنَفِّل الْقَوْمَ مَا أَصَابُوا، قَالَ: ذَلِكَ لَهُمْ" (١).

وبنحوِه رواهُ منصورٌ عن النخَعيِّ؛ رواهُ ابنُ أبي شيبةَ (٢).

وهذا إن صحَّ عن مكحولٍ وعطاءٍ للكلامِ في عِمرانَ، فهو فيما تُصيبُهُ الَسَّرِيَّةُ بنفسِها، فيُنفِّلُهم الإمامُ إيَّاهُ، لا ما يُصيبُهُ جميعُ الغُزاةِ فيُنفِّلُهُ الإمامُ كلَّه مَن شاءَ منهم؛ فهذا خلافُ ما عليه عامَّة السلفِ وظواهرُ الأدلَّة، والله سكَتَ في آيهِ الغنيمةِ عن الباقي منها؛ للعِلْمِ به، وذلك أنه للغانمِينَ المذكورينَ في أوَّلِ الآيةِ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنفال: ٤١]، وهو كقولِهِ تعالى: ﴿وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ [النساء: ١١]، وسكَتَ عن الأبِ؛ يعني: أنَّ له الباقيَ، وهو الثُّلُثانِ بالاتِّفاق، لا أن يَرجعَ لغيرِه؛ كبَيْتِ المالِ.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٣٢٤٣).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٣٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>