للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا بخلافِ القِبْلةِ؛ فلا يُذكَرُ تعدُّدُ المشارقِ والمغاربِ؛ لأنَّ القِبْلةَ تُضبَطُ بمشرِقٍ واحدٍ ومغرِبٍ واحدٍ، ثمَّ ينتهي ضبطُها بذلك، فلا تتغيَّرُ الجهةُ بتغيُّرِ مشرقِ الشمسِ والقمرِ ومغربِهما بعدَ ذلك.

وأيضًا: فإنَّ القِبْلةَ جاء الشرعُ بالترخيصِ بالصلاةِ جِهَتَها ولو لم يُصِبِ الإنسانُ عينَها، ولو وَرَدَ ذكرُ المشارقِ والمغاربِ جمعًا في الآيةِ، لَلَزِمَ منه وجوبُ الإصابةِ؛ لأنَّ ضبطَ مطالعِ الشمسِ والقمرِ ومغاربِهما يلزمُ منه ضبطُ دَرَجاتِ ما بينَهما وضبطُ صوبِ القِبْلةِ تحديدًا؛ لأنَّ المحدَّدَ بعلامَتَيْنِ ووصفَيْنِ أوسَعُ ممَّا يحدَّدُ بعلاماتٍ، وما يحدَّدُ بعلاماتٍ وأوصافٍ وأماكنَ متعدِّدةٍ يضيِّقُ الاختيارَ؛ وهذا تشديدٌ يُنافي التيسيرَ في قولِه: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾.

وفي الحديثِ عن ابنِ عمرَ مرفوعًا؛ أنَّ النبيَّ قال: (مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) (١). والصوابُ وقفُهُ؛ ثبَتَ عن ابنِ عُمَرَ، مِن حديثِ نافعٍ، عن ابنِ عمرَ؛ قال عمرُ: "ما بينَ المشرِقِ والمغرِبِ قِبْلةٌ"؛ أخرَجَهُ ابنُ أبي شَيْبةَ (٢)؛ وقال أبو زُرْعةَ: "رفعُهُ وَهَمٌ؛ الحديثُ حديثُ ابنِ عُمَرَ موقُوفًا" (٣).

ورواهُ مالكٌ، عن نافعٍ، عن عمرَ؛ قولَهُ؛ وهو منقطِعٌ (٤)؛ قال أحمدُ: "وهو عن عمرَ صحيحٌ" (٥)؛ وذلك أنَّ غالبَ حديثِ نافعٍ عن عمرَ هو بواسطةِ ابنِه عبدِ اللهِ؛ فقد جاء هذا الخبرُ بواسطتِهِ؛ كما ذكَرَهُ


(١) أخرجه الدارقطني في "سننه" (١٠٦٠) (٢/ ٥)، والحاكم في "المستدرك" (٧٤١) (١/ ٣٢٣)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٢/ ٩).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنَّفه" (٧٤٣١) (٢/ ١٤٠).
(٣) ينظر: "علل ابن أبي حاتم" (٢/ ٤٧٣).
(٤) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (٨) (١/ ١٩٦).
(٥) ينظر: "فتح الباري" لابن رجب (٣/ ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>