للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولِه في أوَّلها: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾؛ يَعني: السَّفَرَ، وأمَّا تقييدُهُ بالخوفِ في قوله: ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ فقد كان لبيانِ الحرَجِ عندَ النزولِ ليُرفَعَ به هو وغيرُه؛ كما جاء في "الصحيحِ"؛ أنَّ عُمَرَ سألَ النبيَّ عن قيدِ الخوفِ في الآية، فقال له: (صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صدَقَتَهُ) (١)، ولم يُقيِّد أحدٌ مِن الصحابةِ قصرَ الصلاةِ في السفرِ بالخوفِ، وما جاء عند الطبريِّ عن عائشةَ (٢)، فمُنْكَرٌ جدًّا، وسندُهُ مجهولٌ، وثبَتَ عنها من وجوهٍ ما يُخالفُهُ.

وقد جمَعَ النَّبيُّ في مكَّةَ وهو آمِنٌ في حَجِّه ومعه عامَّةُ أصحابِهِ وخلفاؤُهُ مِن بعدِهِ في أمْنِهم، وقد صحَّ عنِ ابن عبَّاسٍ؛ أنَّه قال: "كُنَّا نَسِيرُ مَعَ رَسولِ اللهِ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ لَا نَخَافُ إِلا اللهَ ﷿ نُصَلِّي رَكْعَتَينِ"؛ رواهُ الترمذيُّ والنَّسائيُّ (٣).

والقولُ بخلافِ ذلك مخالَفةٌ صريحةٌ للسُّنَّةِ والأثَرِ.

* * *

قال تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: ١٠٢].

هذه الآيةُ عامَّةٌ للنبيِّ أصحابِه، وغيرِهِ مِن الأئمَّةِ مع الأمَّةِ


(١) سبق تخريجه.
(٢) "تفسير الطبري" (٧/ ٤٠٩).
(٣) أخرجه الترمذي (٥٤٧) (٢/ ٤٣١)، والنسائي (١٤٣٦) (٣/ ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>