للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المُحرَّماتِ، فلْيَتخفَّف مِن تَبِعَةِ ذلك بتَرْكِ موجِبِ فعلِ المحرَّمِ وتركِ الواجب والبُعْدِ عنه.

وقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾؛ يَعْني: الزَّوجَين، وفيه تشوُّفُ المُشرِّعِ إلى بقاءِ الزَّوْجةِ في عِصْمةِ زَوْجِها ولو مع إسقاطِ بعضِ الحقوقِ بَينَهما، وأنه أوْلى مِن الطَّلاقِ؛ وذلك في قوله بعدُ: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.

وحمَل ابنُ عبَّاسٍ قولَه: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ على التخييرِ؛ فقال: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾؛ يَعني: تُخيَّرُ المرأة بما تريدُ، ولا تُكرَهُ على شيْءٍ واحدٍ مما يُطيقهُ الرَّجُلُ (١).

والمرادُ فيما يتَراضَيانِ فيه مما يُطيقانِه جميعًا، ولا يُوقِعُ في حَرَامٍ لهما أو لأحدِهما.

وقولُه تعالى: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾؛ يَعني: أن تُقدِّمَ النفوسُ حظَّها وحقَّها على حظِّ غيرِها وحقِّه؛ فالشحُّ والأثَرةُ متأصِّلٌ في النُّفوسِ.

ولا يجوزُ للرجلِ أن يُقدِّمَ مصلحتَهُ على ضرَرِ غيرِه، ولا للمرأةِ أن تُقدِّمَ مصلحتَها على ضررِ غيرِها، فأمَّا إذا أطاقا تحقُّقَ المصلحتَيْنِ أو دَفْعَ المفسدتَين، فوجَبَ عليهِما، والطلاقُ يتأكدُ عندَ وجودِ مفسَدةٍ لأحدِ الزوجَيْنِ ببقائِهما، وقد روى أبو داودَ وابن ماجَة؛ مِن حديثِ مُحاربِ بنِ دِثارٍ، عن ابنِ عُمرَ مرفوعًا؛ (أبغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ الطَّلَاقُ) (٢)، وجاء مرسَلًا مِن حديثِ مُحاربٍ به (٣)، وهو أقرَبُ، ورُوِيَ مِن طُرْقٍ أُخرى.

* * *


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٥٥٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٠٨١).
(٢) أخرجه أبو داود (٢١٧٨) (٢/ ٢٥٥)، وابن ماجه (٢٠١٨) (١/ ٦٥٠).
(٣) أخرجه أبو داود (٢١٧٧) (٢/ ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>