للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعمومِ الآيةِ وخصوصِ الحديثِ الواردِ في الخِيارِ؛ كما في "الصحيحينِ"، مِن حديثِ ابنِ عمرَ مرفوعًا: "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا" (١)، وعادةُ القرآنِ: العمومُ والغائيَّة، والسُّنَّةُ: أوليَّةٌ تفصيليَّةٌ، والقولُ بالخيارِ لا يَتعارَضُ مع الوفاءِ بالعهدِ والعقدِ؛ وإنما يقيِّدُهُ ويبيِّنُهُ ويفصِّلُهُ، فمن مقتضَيَاتِ وجوبِ الوفاءِ بالعهدِ والعقد: العملُ بشرطِه، والتَّفرُّق بِرِضًا عليه.

وكلَّما عَظُمَ أثرُ العقد، اشتَدَّ الأمرُ بالوفاءِ به، ولو كان أحدُ الطرَفينِ كافِرًا أو محارِبًا، فمَن وَفَى بعهدِه، وجَبَ الوفاءُ له.

وقد عاهدَ بعضُ الصحابةِ قريشًا؛ ألَّا يُقاتِلُوا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في بَدْرٍ، فمَنَعَهمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - مِن القتالِ؛ للعهدِ الذي جعَلُوهُ معهم؛ ففي "صحيحِ مسلمٍ"، عن حُذَيفَةَ بنِ اليَمَانِ؛ قال: "مَا مَنَعنِي أنْ أَشهَدَ بَدْرًا إِلَّا أنِّي خَرَجتُ أنَا وأبي حُسَيْلٌ، قَال: فَأخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيش، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا؟ ! فَقلنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إلا المَدِينَةَ، فَأخَذُوا مِنَّا عَهدَ الله وَمِيثَاقَهُ، لَنَنصَرِفَنَّ إِلَى المَدِينة، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأتَينا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأخبَرنَاهُ الخَبَرَ، فَقَال: (انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعهدِهِم، وَنَستعين اللهَ عَلَيهِم) (٢).

وقد اجتمَعَتْ بطونُ قريشٍ في بيتِ عبد اللهِ بنِ جُدْعَانَ، فتعاهَدُوا على ألَّا يَجِدُوا بمكَّةَ مظلومًا من أهلِها أو غيرِهم إلا قاموا معه حتَّى تُرَدَّ عليه مَظلَمَتُهُ، وسُمِّيَ ذلك الحِلْفُ: حِلْفَ الفُضُول، وقد قال في هذا الحِلفِ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم -: (لقَدْ شَهِدتُ فِي دَارِ عبْدِ اللهِ بنِ جُدْعَانَ حِلفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَو أُدْعَى بِهِ في الإسلَام، لأَجبتُ) (٣).


(١) أخرجه البخاري (٢١٠٩) (٣/ ٦٤)، ومسلم (١٥٣١) (٣/ ١١٦٣).
(٢) أخرجه مسلم (١٧٨٧) (٣/ ١٤١٤).
(٣) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٣٦٧)، وابن هشام في "السيرة" (١/ ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>