للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْه، فكُلُوهُ) (١).

واللهُ لم يُحِلَّ ما أَمسَكَهُ الإنسانُ بنفسِه، فمات بثِقْلِه، فمِن بابِ أولى ألا يجوزَ ما أمسَكَهُ الكلب والطيرُ لصاحبِهِ ومات بثِقْلِه.

وأمَّا الأمرُ في قولِه: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٤]، فبيانٌ لحِلِّ صيدِ هذه الجوارحِ؛ لأنَّها معلَّمةٌ، لا بيانٌ لصفةِ الذبحِ أو لسَفحِ الدمِ منها؛ فهذا حُكْمٌ يبقَى على أصلِه، سواءٌ كان الإنسانُ يُمسِكُ لنفِسهِ أو يُمسِكُ له غيرُه، أو يَرمي هو بسهمٍ أو عصًا، والكلب والطيرُ والعصا أدواتٌ يُصادُ بها، وحُكمُ المذبوحِ والمخزوقِ خارجٌ عنها؛ فكيف يَحِلُّ خنقُ الكلبِ ولا يَحِلُّ خنقُ الآدمي؟ ! والآيةُ في الترخيصِ والامتنانِ يحِلُّ الآلةِ لا بحِلِّ الصيدِ في ذاتِه؛ لأن الصيدَ حلالٌ مستقِرٌّ قبلَ ذلك.

ولو أُخِذَ بعمومِ ما أَمسَكنَ على كلِّ حالٍ، فإنَّهُنَّ ربما يُمسِكنَ بحيوانٍ محرَّمِ الأكلِ قبلَ ذلك، كذي النَّاب وذي المِخلَبِ؛ فصَيدُ الجوارحِ لا يُحِلُّه، والاحتجاجُ بعمومِ الآيةِ على ذلك ضعيفٌ.

والعِلَّةُ العقليَّةُ في تحريم المخنوقةِ والمَوقوذةِ يشتركُ فيها ما مات بثِقلِ الكلب والطير، أو ما مات بغيرِه، وهو حبسُ الدمِ؛ فيجبُ ألَّا يختلفَ الحُكَمُ إلَّا بدليلٍ بيِّنٍ يسلَّمُ به.

وما جرَحَهُ الكلبُ والطيرُ وأكَلَ منه، لا يَحِلُّ مع كونِهِ مجروحًا، على الصحيح، وهو قولُ أبي حنيفةَ وصاحبَيْه والشافعيُّ وأحمدَ؛ لأنَّه صادَهُ لنفسِهِ لا لصاحِبِه، ففي "الصحيحَيْنِ" قال : (فَإنْ أَكَلَ فَلَا تَأكل؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أمْسَكَ عَلَى نَفسِهِ) (٢).

خلافًا لمالكٍ والشافعي في القديم في جوازِ ما أكَلَ منه الكلبُ،


(١) أخرجه البخاري (٢٤٨٨) (٣/ ١٣٨)، ومسلم (١٩٦٨) (٣/ ١٥٥٨).
(٢) أخرجه البخاري (٥٤٨٣) (٧/ ٨٧)، ومسلم (١٩٢٩) (٣/ ١٥٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>