للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال الشافعيُّ: "والذي أحفَظُ عن كل مَن سمِعتُ منه مِن أهلِ العِلم في هذه الآياتِ: أنه في الشاهد، وقد لَزِمَتهُ الشهادةُ، وأنَّ فرضًا عليه أن يقومَ بها على والدَيه وولدِه، والقريب والبعيد، وللبغيضِ القريب والبعيد، ولا يكتمَ عن أحد، ولا يُحابِيَ بها، ولا يمنعَها أحدا" (١).

ولما كانتِ العداوةُ والشقاقُ جالبةً للظُّلم، ومُبعدةً للعدلِ؛ سقَطت شهادةُ الخصومِ بعضِهم على بعضٍ؛ لأجلِ تلك المفاسِدِ التي تخالِفُ مقصدَ الشريعةِ مِن إقامةِ العدلِ ودفعِ الظلم، والآيةُ دلت بالمفهومِ ودليلِ الخِطابِ على هذا، ورُوِيَ في ذلك أحاديث مرفوعة معلولة؛ مِن حديث عائشة وابن عمرَ وأبي هريرةَ وجابر وعبدِ اللهِ بنِ عمرو وغيرِهم: "أنه لا تُقبَل شهادةُ ظَنينِ ولا ذي غِمْرٍ على أخِيه".

وأَمثَلُها حديثُ أبي داودَ وابنِ ماجَه؛ مِن حديث عمرِو بنِ شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعا: (لَا تَجوزُ شَهَادَة خَائِن ولَا خَائِنَة، وَلَا زَانٍ وَلَا زَانِيَة، وَلَا ذِي غمر عَلَى أخِيهِ) (٢).

والظَّنينُ: من يُظَنُّ به تُهَمَةٌ وعداوةٌ تدعوهُ للإخلالِ بالشهادةِ؛ وبهذا قال عامَّةُ السلفِ؛ فقد رواه مالك بلاغًا عن عمرَ (٣)، وجاء عن جماعةٍ كالشعبي وشُرَيح والزهري والنخَعي، وخلافُ الفقهاء: في تحقُّقِ الظِّنَّة والتُّهَمةِ ومقدارِ تأثيرِها في إبداءِ الحق، وفي بعضِ الأشخاصِ دونَ بعض، وفي بعض القراباتِ على بعض، فمنها القريبُ ومنها البعيد، وكل خلافهم ليس في أصلِ المسألةِ؛ فهم متَّفِقونَ عليها؛ وإنما في تحققِ الظنةِ والعداوة المؤثِّرةِ.


(١) "الأم" (٧/ ٩٧).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٦٠١) (٣/ ٣٠٦)، وابن ماجه (٢٣٦٦) (٢/ ٧٩٢).
(٣) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (٢/ ٧٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>