للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحيحٌ يقولُ: (إِنَّهُ لَمْ يُقبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ)، فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ القَبْضُ، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ، غُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ، شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ البَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ؛ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى! ) (١)؛ رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ.

وكان ينظُرُ عندَ تدبُّرِ آيِ السمواتِ والأرضِ والاعتبارِ بهما؛ فقد روى البخاريُّ؛ مِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ؛ قال: بِتُّ في بيتِ مَيْمُونةَ لَيْلةً، والنبيُّ عندَها؛ لِأَنْظُرَ كيف صلاةُ رسولِ اللهِ بالليلِ، فتحدَّثَ رسولُ اللهِ مع أهلِهِ ساعةً، ثمَّ رقَدَ، فلمَّا كان ثُلُثُ الليلِ الآخِرُ، أو بعضُهُ، قعَدَ فنظَرَ إلي السماءِ، فقرَأَ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، إِلى قولِهِ: ﴿لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٠] (٢).

وربَّما رفَعَ النبيُّ بصَرَهُ إلى السماءِ، وهو يتحدَّثُ إلى أصحابِهِ ويَعِظُهم ويعلِّمُهم؛ فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ والتِّرمِذيُّ وغيرُهم، عن عليٍّ؛ قال: بينما نحنُ مع رسولِ اللهِ وهو ينكُتُ في الأرضِ، إذْ رفَعَ رأسَهُ إلى السَّمَاءِ، ثُمَّ قال: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إِلَّا قَدْ عُلِمَ - وقال وَكِيعٌ: إِلَّا قَدْ كُتِبَ - مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ)، قَالُوا: أَفَلَا نَتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (لَا، اعْمَلُوا فَكُلُّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) (٣).

ورفعُ البصرِ عندَ الأمورِ العظيمةِ مستَحَبٌّ، وعندَ نزولِ المصيبةِ ورجاءِ الإعانةِ؛ ففي ذلك إظهارُ ضعفٍ وافتقارٍ والتجاءٍ.

ورفعُ البصرِ إلى السماءِ هو سجودُ العَيْنِ؛ لأنَّ مَدَّ البصرِ بصورةِ التعظيمِ لِمَا دُونَ اللهِ يُورِثُ هَيْبةً في القَلْبِ للمخلوقِ وتعظيمًا له ورجاءً


(١) أخرجه البخاري (٤٤٣٧) (٦/ ١٠)، ومسلم (٢٤٤٤) (٤/ ١٨٩٤).
(٢) أخرجه البخاري (٧٤٥٢) (٩/ ١٣٥).
(٣) أخرجه البخاري (٤٩٤٩) (٦/ ١٧١)، ومسلم (٢٦٤٧) (٤/ ٢٠٤٠)، والترمذي (٢١٣٦) (٤/ ٤٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>