للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصِعَابِها (١)، ومرادُهُ: التي يُلتمَسُ بها استِزلالُ الناسِ وليس تعليمَهُمْ، وهذه تَغلِبُ عندَ مَن قصَدَ العِلْمَ لغيرِ اللهِ.

ومنها: السؤالُ عمَّا لا يَملِكُ أحدٌ جوابًا عنه إلَّا اللهُ؛ ككيفيَّةِ صِفَاتِ اللهِ تعالى، ووقتِ عِلْمِ الساعة، وأَعْمَارِ الناس، وحوادثِ المستقبل، وغيرِ ذلك مِن أمورِ الغيبِ؛ لأنَّ كلَّ جوابٍ سيكونُ كَهَانةً وخَرْصًا؛ وهذا منازَعةٌ للهِ في عِلْمِه؛ فلا يَعلَمُ الغيبَ إلَّا هو.

ومنها: السؤالُ مِرَاءً وتزيُّدًا؛ كإكثارِ السؤالِ على العالِمِ عن جزئيَّاتٍ معِ عدمِ إدراكِ الكليَّات، أو السؤالِ عن فروعٍ مع الجهلِ بالأصولِ؛ فإنَّ لطلَبِ العِلْمِ مقاصدَ:

فإنْ كان طلبُ العِلْمِ لأجلِ العمل، فالعملُ بالأصولِ والكليَّاتِ أوْلى، وإن كان لأجلِ البلاغ، فتبليغُ الأصولِ والكليَّاتِ أَولى.

ومِثلُ ذلك السؤالُ عن الواضحاتِ تكلُّفًا، والسؤالُ عن كلِّ ما يَرِدُ على النفسِ مِن غيرِ تمييزِ ما يُناسِبُ وما يَصلُحُ للحالِ والمَقام، وكثيرًا ما يُحرَمُ المتعلِّمُ عِلْمَ العالِمِ بسبِ مِرَائِه؛ لأنَّ العالِمَ يَحبِسُ عِلْمَهُ عن أهلِ المِراء، وربَّما كان مِن عادةِ العالِمِ التفصيلُ والبسطُ في المسائلِ والتفريعُ، ولكنَّه عندَ أهلِ المِرَاءِ يَختصِرُ؛ لأنَّه يَعلَمُ أنَّ المُمَارِيَ يَلتقِطُ الجزئيَّاتِ لِيُغالِطَ فيها ويُناظِرَ عليها؛ ومِن ذلك قولُ مَيْمونِ بنِ مِهْرَانَ: "لا تُمارِ مَن هو أعلَمُ منك؛ فإذا فَعَلْتَ ذلك، خَزَنَ عنك عِلمَهُ ولم تَضُرَّهُ شيئًا" (٢).

وربَّما يقعُ المِراءُ ممَّن يُحسَنُ الظنُّ به، فيَخلِطُ بينَ المِراءِ وبينَ فصلِ السؤالِ والحاجةِ إلى كثرتِه لتحصيلِ العِلْم، قال الزُّهْريُّ: "كان أبو


(١) أخرجه أحد (٢٣٦٨٧) (٥/ ٤٣٥).
(٢) "جامع بيان العلم وفضله" (١/ ٥١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>