للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالٍ، ويظُنَّ الغنيُّ أنَّ له الحقَّ بالسلامِ عليه على الفقيرِ بكلِّ حالٍ، وقد جاء الإسلامُ بالتفريقِ بينَ الأحوالِ بالسلامِ؛ ففي "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِير، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِد، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ) (١).

والتحيَّةُ لا تسقُطُ بتعطيلِ الأَوْلى ببَذْلِها؛ فإنَّ المُادِرَ بالسلامِ أفضَلُ بكلِّ حالٍ، وإنَّما جاء بيانُ الأحقِّ بها؛ حتى لا يَضَعَ الناسُ الاستحقاقَ بها على ما يَهوَوْنَ، فيَجعلُوها على الدُّنيا باعتبارِ الغِنَى أو الرياسةِ، أو الجَاهِ والشَّرَفِ والنَّسَبِ وغيرِ ذلك.

وقد كان السلفُ يَتَّفِقونَ على أنَّ السلامَ لا يسقُطُ بتَرْكِ الأَولى به، وأنَّ المُبادِرَ بالسلامِ أفضَلُ مِن غيرِهِ؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) (٢)؛ وبهذا يقولُ السلفُ ويَعملونَ؛ كأبي بكرٍ وعمرَ وابنِ عمرَ وابنِ مسعودٍ وشُرَيْحٍ والشَّعْبيِّ وغيرِهم، وقد جاء عن أبي هريرةَ قولُهُ: "أَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ" (٣)، وقد صحَّ عن ابنِ عمرَ أنه ما كان أَحَدٌ يَبْدَؤُهُ -أَو يَبْدُرُهُ- بِالسَّلَامِ؛ رواهُ البخاريُّ عن بُشَيْرِ بنِ يَسارٍ، عنه، به (٤).

وقد روى البيهقيُّ، عن زيدِ بنِ وهبٍ؛ قال: قال عبدُ اللهِ - هو ابنُ مسعودٍ -: "إِنَّ السَّلَامَ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَضَعَهُ اللهُ فِي الْأرْض، فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَرَّ عَلَى الْقَوْم، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَرَدُّوا عَلَيْه، كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَصْلُ دَرَجَةٍ بِأنَّهُ أَذْكَرَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْه،


(١) أخرجه البخاري (٦٢٣١)، ومسلم (٢١٦٠).
(٢) أخرجه البخاري (٦٠٧٧)، ومسلم (٢٥٦٠).
(٣) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (١٠١٥)، وابن حبان في "صحيحه" (٤٤٩٨)، والطبراني في "الدعاء" (٦٠)، والبيهقي في "الشعب" (٨٣٩٤).
(٤) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (٩٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>