وأمَّا نسبةُ عيسى لذريَّةِ إبراهيمَ ونوحٍ، مع كونِه بلا أبٍ، فإنَّ مريمَ حلَّتْ مَحَلَّ الأبِ؛ لانعدامِه، فيُنسَبُ إليها وإلى جَدِّهِ منها، ولا حُكْمَ للأُبُوَّةِ الذُّكوريَّةِ في عيسى حتى يُقالَ بِتَرْكِها، والعربُ قد تنسُبُ الولدَ لأُمِّه، وهذا كثيرٌ؛ كمحمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّة، وهي أُمُّه، وهو ابنُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، ولكنْ لم تَحُلَّ الأُمُّ محلَّ الأبِ بإطلاقٍ؛ حيثُ إنَّه لا يُقالُ: محمدُ بن الحنفيَّةِ بن أو بنتِ فلانِ بنِ فلانٍ، فيستمِرَّ نَسَبُهُ إلى أُمِّه؛ وإنما يُقتصَرُ في نسبتِهِ إلى أُمِّه ولا يُجاوَزُ، ثم يَرجِعُ نسبُهُ إلى أبيه، بخلافِ عيسى؛ فهو عيسى بن مريمَ بنتِ عِمْرانَ، ويستمرُّ نسبُه؛ لأنَّ أمَّهُ حَلَّتْ محلَّ الأبِ مِن جميعِ الوجوهِ؛ إذْ لا وجودَ له، وهذا هو الفرقُ بينَ انتسابِ عيسى لِأمِّهِ وآبائِها وبينَ انتسابِ غيرِهِ لأمِّه؛ لأنَّه انتسابٌ قاصرٌ.
وأمَّا انتسابُ الحَسَنِ والحُسَيْنِ إلى النبيِّ ﷺ وقولُهُ للحسنِ:(إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ)، وقولُهُ لمَّا رفَعَهما على المنبرِ معَهُ:(صَدَقَ اللهُ: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [التغابن: ١٥] (١)، فذاك نسبُ تشريفٍ، ولا خلافَ أنَّ نَسَبَ النبوَّةِ أعظَمُ نسبٍ، فإذا كانتِ العربُ تنسُبُ بعضَ وَلَدِها إلى أمَّهاتِها تعريفًا وتشريفًا، فإنَّ نِسْبةَ الحسنِ والحسينِ إلى النبيِّ ﷺ أولى،
(١) أخرجه أحمد (٥/ ٣٥٤)، وأبو داود (١١٠٩)، والترمذي (٣٧٧٤)، والنسائي (١٤١٣)، وابن ماجه (٣٦٠٠).