للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخضوعِهِ لتقديرِ الله، وَيزِيدُ بخضوعِهِ لأوامرِهِ الشرعيَّةِ؛ وبهذا اختصَّ واستحَقَّ الرِّضا، واللهُ يرزُقُ الكافرَ في الدُّنيا كما يرزُقُ المؤمِنَ؛ لأنَّ هذا مُقتضى ربوبيَّتِه؛ فالخالقُ متكفِّلٌ بالخَلْقِ، والثوابُ على طاعتِهِ والعقابُ على عِصْيانِهِ يكونُ في الآخِرة، وإنْ عجَّلَ اللهُ بعضَهُ في الدُّنيا.

والكفَّارُ يُشارِكونَ المؤمنِينَ في الاستِمتاعِ بالدُّنيا، لكلَّ مُتْعةَ الآخِرةِ خاصَّةٌ للمؤمنينَ، وهو المرادُ بقولِه تعالى: ﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، فلا تَبِعَةَ عليهم في الآخِرةِ ما الْتزَمُوا حدودَ اللهِ في الدُّنيا، فلا يَلحَقُهم مَأثَمٌ ولا لومٌ، وصحَّ عن ابنِ عبَّاس؛ أنَّهم يُشارِكونَ الكفَّارَ في الدُّنيا في هذه الطيِّبات، ويَخلُصُونَ بها في الآخِرةِ ويُحْرَمُ منها الكفَّارُ (١).

وجاء عن الحسنِ وعِكْرِمةَ نحوُهُ (٢).

وقولُه تعالى: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾، المرادُ به؛ تمييزُ الحلالِ مِن الحرام، وفصلُ كلِّ واحدٍ منهما عن الآخَرِ لما خلَطَتها قريشٌ بتحريم ما أحَلَّ اللهُ.

وفيه إشارةٌ إلى أنَّهم فعَلُوا ذلك جهلًا، فاستحَقُّوا العِلْمَ، وفي الآيةِ لِينُ خِطَابٍ معهم، فيُلَانُ مع الجاهل، بخلافِ المُعانِدِ.

* * *

قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: ٥٥].

الدُّعَاءُ بنوعَيْهِ: دعاءِ المسألةِ، ودعاءِ العِبَادةِ: يُصرَفُ للهِ بتضرُّعٍ


(١) "تفسير الطبري" (١٠/ ١٥٩)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٤٦٨).
(٢) "تفسير الطبري" (١٠/ ١٦٠)، و"تفسير الطبري" (٥/ ١٤٦٨ - ١٤٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>