النوادِي إلَّا لِما يَرضَوْنَهُ؛ كما قال تعالى: ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩].
وهذه الخطواتُ والمراحلُ يدُلُّ عليها النظرُ والأثرُ، وكلُّ خُطْوةٍ فيها درجاتٌ، فالنفوسُ لا تُقارِفُ الفاحشةَ حتى تَستلِذَّ النظرَ، ثم تَستلِذَّ المُصافَحةَ فالمُجالَسةَ فالمُماسَّةَ والمُقارَفةَ.
وقد عظَّمَ قومُ لُوطٍ فاحشتَهُمْ حتى جعَلُوها مَيزةً لهم بينَ الأمم، وجعَلُوها تشريعًا كتشريعِ نِكاحِ الرِّجالِ للنساء، وقد صنَعُوا لتلك الفاحشةِ تماثيلَ مِن ذهبٍ وحجارةٍ وخشبٍ تُصَوِّرُ الفاحشةَ، فيُعظِّمونَ تلك التماثيلَ والرسومَ في مَجَالِسِهم ومَعابِدِهم، حتى أصبَحَ فَخرًا بذلك الضلالِ؛ كما قال تعالى: ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾؛ يعني: مُجاهَرةً ومُفاخَرةً.
وقد زارني رجلٌ مِن أطرافِ الأُرْدُنِّ وأَراني تماثيلَ وجَدَها مِن دَفْنِ الجاهليَّةِ في أرضِ بِكْرٍ استصلَحَها للزِّراعة، فوجَدَ فيها نحوتًا مِن حجارةٍ ومعادنَ تجسِّدُ فاحشةَ قومِ لوطٍ، ومِثلُها لا يجوزُ بيعُهُ ولا اقِتناؤُهُ، بل يجبُ إتلافُه، وظهَرَ مِن تلك التماثيلِ ما بلَغَهُ قومُ لُوطٍ مِن تعظيمٍ لفاحشتِهم وتأصُّلِ العنادِ في نفوسِهِمْ لنبيِّ اللهِ لُوطٍ ﵇.
وظاهرُ فعلِ قومِ لوطٍ: أنَّهم لم يَنحِتُوا تلك التماثيلَ إلَّا لمَّا تَفاخَرُوا بفَعْلَتِهم تلك، ويحتمِل أن الذين مثلوهم وصورُوهم هم الذين بَدَووا بتشريعِ تلك الفَعْلة، وليس أوَّلَ مَن فعَلَها فيهم؛ لأنَّ الفاعِلِينَ الأوَّلينَ لها كانوا يَستتِرُونَ بها، والفواحشُ تَبدَأُ خُفْيةً ثم تَشِيعُ ثم تُشرَّعُ، والأُمَمُ تعظِّمُ المشرِّعينَ للشُّبُهات، لا الفاعِليِنَ للشَّهَوات، والأظهَرُ: أنَّهم عظَّمُوا أولَ مَن شَرَّعَها، لا أوَّلَ مَن فعَلَها.