وعليها يُترجِمُ كثيرٌ مِن الأئمَّةِ عندَ الكلامِ على فاحشةِ قومِ لُوطٍ، فيُعبِّرونَ عنها باللُّوطِيَّةِ أو حَدِّ اللُّوطِيِّ ونحوِ ذلك، كما ترجَمَ على ذلك التِّرْمِذيُّ والنسائي وغيرُهما.
وإنَّما لم يُسَمِّها اللهُ بذلك في كتابِهِ؛ لأنَّ اللهَ حَكَى القصةَ حكايةً عن تلك الحال، ولم يُوصَفْ هؤلاءِ القومُ بقومِ لُوطٍ إلَّا بعدَ هَلَاكِهِمْ لاعتِبارِ الأمَمِ بهم وقيامِ الحُجَّةِ عليهم، فلم يكنْ حِينَها اسمُ نبيِّ اللهِ لُوطٍ عَلَمًا عليهم يُعرَفونَ به، فلم يكونوا يُقِرُّونَ بنُبُوَّتِه، ولم يكنْ أكثرُ الناسِ يَنسُبُونَهُمْ إلى لوطٍ، فيقولونَ في حياتِهم وحياةِ نبيِّهم: إنَّهم قَوْمُ لُوطٍ، وكان فِعْلُهُمْ يسمَّى فاحشةً في كلامِ الله، وكلامِ نبيِّه لوطٍ، لا في كلامِهم، ثم بعدَ هلاكِهِمْ واعتبارِ الأُمَمِ بهم، لم يكنْ يُسمَّوْنَ بعدَ ذلك إلَّا بقومِ لوطٍ، وفاحشتُهم نسبةٌ إلى اسمِهِمْ بعدَ شُيُوعِ تسميةِ اللهِ والأُممِ لهم بقومِ لوطٍ.
وما جَرَى على ألسنةِ خيرِ القرونِ واستفاضَ وشاعَ وذاعَ مِن غيرِ نكيرٍ: لا ينبغي لأحدٍ إنكارُهُ: لأنَّه في حُكْمِ الإجماع، والتنزُّهُ عمَّا أجمَعَ خيرُ القرونِ على جوازِه وعدمِ إنكارِه: لا يَلِيقُ بمَن عرَفَ قَدْرَ خيرِ القرونِ في العِلْمِ والدِّيانةِ والورعِ وتعظيمِ اللهِ وشعائرِهِ وتعظيمِ أنبيائِه.
وقولُ اللَّهِ تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾، ذَكَرَ الله المطرَ والمرادُ به الحجارةُ؛ كما في قولِهِ تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [الحجر: ٧٤]، وكانتِ الحجارةُ مِن طِينٍ؛ كما قال تعالى: ﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ﴾ [الذاريات: ٣٣].
وقد جعَلَ اللهُ عقوبةَ قومِ لوطِ بجعلِ عاليها سافِلَها، وإمطارِ الحجارةِ عليها؛ كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ﴾ [هود: ٨٢].