للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يُحفَظُ لعمرَ مخالِفٌ مِن الصحابةِ في جوازِ ذلك، وقد رَوَى عبدُ الرزَّاق، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن عمرِو بنِ شعيبٍ: "كَتَبَ أَهلُ مَنْبجَ وَمَنْ وَرَاءَ بَحْرِ عَدَنَ إِلَى عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ يَرضُونَ عَلَيْهِ أنْ يَدخُلُوا بِتِجَارَتِهِم أرْضَ العَرَبِ وَلَهُم العشُورُ مِنهَا، فَشَاوَرَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ أَصحَابَ النَّبِيِّ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أخَذَ مِنْهُمُ العُشُورَ" (١).

ولمَّا فتَحَ النبيُّ خَيبَرَ، أَبْقَى رَقَبةَ الأرضِ بأيْدِي يهودَ؛ نظيرَ خَرَاجِ يُؤدُّونهُ إلى المسلِمينَ، ومِثْلَ ذلك فعَل عمرُ في سَوَادِ العراقِ.

وإنَّما كانتِ العشورُ والجِزْيةُ على الكفَّارِ؛ لأنَّه ليس عليهم في مالِهم زكاةٌ ولا صَدَقةٌ كالمُسلِمينَ، في نقودِهِم ومَوَاشيهِمْ ونَخِيلِهم، كما قال مالكٌ: "لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الذمةِ وَلَا عَلَى المَجوسِ فِي نَخيلِهِمْ، وَلَا كُرُومِهِم، وَلَا زُرُوعِهِمْ، وَلَا مَوَاشِيهِم: صَدَقَةٌ، لِأنِّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا وُضِعَتْ عَلَى المُسلِمِينَ؛ تَطْهِيرًا لَهُمْ، وَرَدًّا عَلَى فُقَرَائِهِمْ" (٢).

ولم يكنْ عمرُ يأخُذُ العُشورَ على المُسلِمينَ؛ كما قالهُ ابنُ عمرَ لمَّا سُئِلَ عن ذلك: هَل عَلِمْتَ عُمَرَ أخَذَ الْعُشْرَ مِنَ المُسلِمِينَ؟ فَقَالَ: لَا، لَمْ أعلَمهُ (٣).

وقد كان عمرُ يأخُذُ مِن المُسلِمينَ زكاةً، ومِن الذمِّيِّينَ عُشُورًا؛ كما جاء عن أنسِ بنِ سيرينَ؛ قال: "بَعَثنِي أَنَسُ بن مَالِكٍ عَلَى العُشُور، فَقُلْتُ: تَبْعَثُنِي عَلَى العُشُورِ مِنْ بَينِ غِلْمَتِكَ؟ فَقَالَ: ألَا تَرضَى أَنْ أَجْعَلَكَ عَلَى مَا جَعَلَنِي عَلَيهِ عُمَرُ بن الخَطَّابِ ؟ ! أَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنَ


(١) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٠١١٨ و ١٩٢٨٠).
(٢) "موطأ مالك" (١/ ٢٧٩).
(٣) أخرجه أبو عبيد في "الأموال" (١٦٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>