للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في "الصحيحِ" (١).

وهذا يدلُّ علي أنَّ تقديمَ القرآنِ وتأخيرَهُ له مقاصدُ، وحكَى بعضُ العلماءِ: أنَّ حروفَ العطفِ تُوجِبُ الترتيبَ إلا الواوَ؛ فقد وقَعَ فيها الخلافُ، وألحقَها غيرُ واحدٍ بأخواتِها، ولكنْ قد يُشكِلُ على هذا بعضُ مواضعِ العطفِ بالواوِ في القرآنِ؛ كقولِه تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣]، إلا إنْ قيل: إنَّ الركوعَ في شريعتِهم يكونُ بعدَ السجودِ.

والأظهرُ: أنَّ العطفَ في القرآنِ له مقصدُ الترتيبِ، ولكنْ يُختلَفُ في الترتيبِ بحسَبِ موضعِهِ وبحسَبِ دَلَالةِ النصوصِ الأُخرى مِن الكتابِ والسُّنَّةِ على الوجوب أو الاستحباب وإلا فأصلُهُ معتبَرٌ علي الترتيب؛ كما في قولِه: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧]؛ فقد أجمَعوا على أنَّ السجودَ بعدَ الركوعِ، وكما في عطفِ أعضاءِ الوضوءِ في آيةِ الوضوءِ.

وقد بدَأَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالصَّفَا أيضًا؛ لكونِها عن يمينِه، ولأنَّها أقربُ من المَرْوةِ، والبداءةُ منها واجبةٌ عندَ جمهورِ الفقهاءِ: مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، وجزَمَ به التِّرمِذيُّ فيِ "سننِه"، وهو إجماعُ عملِ الصحابةِ والتابعينَ؛ قال الشافعيُّ في "الأمِّ": "ولم أعلَمْ خلافًا أنَّه لو بدَأَ بالمَرْوةِ، ألغَى طوافًا حتى يكونَ بدؤُهُ بالصَّفَا" (٢).

وقال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حنبلٍ: "سألتُ أبي عن رجلٍ بدَأَ بالمروةِ قبلَ الصَّفَا حتى ختَمَ الطوافَ؟ قال: يبتدِئُ إذا رجعَ إلى الصَّفَا، يلغي ذلك الشَّوْطَ ويستأنِفُ بسبعٍ تامٍّ مِن الصَّفا" (٣).


(١) المصدر السابق.
(٢) "الأم" (١/ ٤٥) وينظر: "المدونة" (١/ ٤٢٧)، و"التمهيد" (٢/ ٧٩)، و"المجموع" (٨/ ٧٨)، و"المغني" (٣/ ٣٥١)، و"سنن الترمذي" (٨٦٢) (٣/ ٢٠٧).
(٣) ينظر: "مسائل أحمد" "رواية عبد الله" (١/ ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>