للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ! )، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا. . .﴾ [الروم: ٣٠] الآيَةَ (١).

وقد وَجَّهَ اللهُ خطابَهُ للناسِ كافَّةً بإباحةِ كلِّ ما في الأرضِ واصفًا إيَّاهُ بالطَّيِّبِ؛ لإدراكِهِمْ جميعًا لمعناهُ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾، والنفوسُ هي التي يقعُ منها التبديلُ؛ لهوًى أو مسخٍ؛ قال تعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ [النساء: ٢].

ولاستواءِ النفوسِ في إدراكِ الطيِّبِ مِن المأكلِ؛ وَجَّهَ سبحانه الخطابَ بالصيغة نفسِها حتى للرُّسُلِ: ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ [المؤمنون: ٥١].

والوصفُ بالطيِّب دليلُ امتنانٍ، والامتنانُ مِن قرائنِ الإباحةِ، والقرينةُ لا يُحتاجُ إليها إلا عندَ فقْدِ النصِّ الصريحِ، ولكنَّه ذكَرَها هنا؛ إشعارًا بأنَّ الإباحةَ هنا ليستْ لمباحٍ تستوي جهاتُهُ فتوسَّطَ بين التحريمِ والوجوبِ، ولكنَّه لمباحٍ فوقَ ذلك يستوجِبُ شكرًا للهِ.

ويُؤخذ مِن هذه الآيةِ: أنَّ مِن علاماتِ ما لم يُستَثْنَ مِن أصلِ الحِلِّ: ما عرَفَتْهُ النفسُ بالطيِّبِ، ولم يُسْتخبَثْ؛ كما في قولِه تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧].

وإذا اختلَطَ على النفسِ معرفةُ الطيِّبِ من الخبيثِ لانتكاسةِ الفِطَرِ، فيُرجَعُ إلى عمومِ النصِّ؛ لأنَّ العمومَ هنا أقوَى؛ فمضمونُ العموم الإباحةُ، وأمَّا الاستخباثُ، فمخصِّصٌ للعمومِ، وإذا ضَعُفَ إعمالُ المخصِّصِ، بقِي اللفظُ على عمومِه.

فالإباحةُ دُلَّ عليها بالنداءِ لعمومِ الناسِ، وبقولِه: ﴿كُلُوا﴾، وبقولِه: ﴿حَلَالًا طَيِّبًا﴾، وبالاستثناءِ مِن العامِّ: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾؛


(١) أخرجه البخاري (١٣٥٩) (٢/ ٩٥)، ومسلم (٢٦٥٨) (٤/ ٢٠٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>