للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ، فقالَ: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾، قالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ الله عَنْهُمْ مِنَ العِدَّة، نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ" (١).

وصحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: "مَن فَرَّ مِن ثلاثةٍ فلم يَفِرَّ، ومَن فَرَّ مِن اثنينِ فقد فَرَّ"؛ رواهُ ابنُ أبي نَجِيحٍ (٢)، ونحوَهُ عمرُو بن دِينارٍ، عنه (٣).

وروى الحاكمُ في "مُستدرَكِه"؛ مِن حديثِ أبي عمرِو بنِ العلاء، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ قرَأَ: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ رَفَعَ (٤).

وبالنسخِ قال مجاهِدٌ وعطاءٌ وعِكْرِمةُ والحسَنُ وزيدٌ والضَّحَّاكُ وجماعةٌ (٥).

وفي قولِ اللَّهِ تعالى: ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ تأكيدٌ على الصبر، وأنَّه مَعقِدُ النصرِ ومَحَلُّهُ، فالعَدَد والعُدَّةُ ليستْ بأعظَمَ مِن الصبر، فالصابرُ أقرَبُ نصرًا ولو قَلَّ عَتَادُهُ، وإنَّما ذكَّر اللهُ بالصبرِ؛ حتى لا تتعلَّقَ النفوسُ بالعددِ فتتَّكِلَ عليه، وتَنسى معيَّةَ اللهِ وعَوْنَهُ للصابرينَ فيه، وبمقدارِ تعلُّقِ القلبِ بغيرِ اللهِ يَضعُفُ معه توكُّلُهُ ويَقِلُّ صبرُه، وهذا أمرٌ قد لا يَملِكُهُ الإنسانُ؛ ولذا قال ابنُ عبَّاسٍ: (فلَمَّا خفَّفَ الله عَنْهُمْ مِنَ العِدَّة، نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفَّفَ عَنْهُمْ" (٦).


(١) أخرجه البخاري (٤٦٥٣).
(٢) أخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (٧/ ٦).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧٢٨).
(٤) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٢٣٩).
(٥) "تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧١٩).
(٦) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>