المُبتدَى معلومًا والمنتهَى مثَلَهُ للجميع، ومَن فاتَهُ العِلْمُ بأوَّلِه يَكْفِيهِ ما تَبَقَّى مِن آخِرِه؛ لأنَّ الأشهُرَ الأربعةَ لم تكُنْ مقصودةً لِذَاتِها وتمامِها؛ وإنَّما المرادُ أنْ يكونَ هناك فترةُ إمهالٍ يَشترِكُ فيها الجميعُ.
وصحَّ عن ابنِ شهاب الزُّهْريِّ؛ أنَّ البدءَ مِن شوَّال، والمنتهَي إلى تمامِ شهرِ اللهِ المحرَّم، واستغرَبَ ابنُ كَثِيرٍ هذا القولَ (١)؛ لأنَّهم لا يُحاسَبونَ بمُدَّةِ لا يَعلَمونَ بها، ولمِ يَبلُغهُمْ حُكْمُها، ولو كانتِ الأيامُ معتبَرةً بتمامِها، فإنَّ الذي يُجزَمُ به أنَّ جميعَ العرَبِ لم يَسمَعوا البَرَاءةَ في يومِ واحدٍ، فقد قَدِمَ أبو بكرٍ وعليٌّ وأبو هريرةَ المَوْسِمَ وبَدَؤُوا النداءَ، ومِن العربِ مَن لم يَصِلْهُ البلاغُ أوَّلَ يومٍ، ومِنهم مَن لم يَصِلِ المَوْسِمَ بعدُ، ولو كان العِلْمُ التامُّ بالأشهُرِ معتبَرًا، لكاد لكلِّ واحدٍ منهم أجَلٌ يَبدَأُ مِن يوم عِلْمِه.
وكأنَّ المقصودَ بالآياتِ التأكيدُ على المنتهَى أكثَرَ مِن العِلْمِ بالمبتَدَأِ؛ وذلك في قولِهِ ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥]، وهذا ما بلَغَ الجميعَ.
وقد يَجعَلُ اللهُ أجَلًا لا يتَعلَّقُ الحُكْمُ بمجرَّدِ العِلْمِ به، كأَجَلِ المتوفَّى عنها زوجُها؛ يَبدَأ مِن بومِ الوفاة، لا مِن يوم العِلْم، ولكنَّ اللهَ أمَرَ بالجهرِ بالعهدِ والبَرَاءةِ في المَوْسِمِ؛ لأنَّ الأمرَ أَعظَمُ، وهو يتعلَّقُ بعهودٍ ومواثيقَ واستباحةِ دماءٍ، فكان لا بُدَّ مِن العِلْمِ ولو ذهَبَ مِن المُدَّةِ زمن لا يُخِلُّ بأصلِ الإمهالِ والإنظار، وبلوغِ المأمَن، وتدبُّرِ الأمر، واللهُ أعلَمُ.
وقبلْ إنَّها تبتدِئُ بن عَشْرِ ذي الحِجَّة، وتنتهي بعَشْرٍ مِن ربيعٍ الآخِرِ؛ وصحَّ هذا عن مجاهِدٍ وقتادةَ، وبه قال السُّدِّيُّ والضَّحَّاكُ