للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها النبيِّ ، ولم يَضرِب اللهُ الأَجَلَ للنبيِّ مع الكفارِ إلَّا لَمَّا ظهَرَت قوَّتُه، وكان في هذا الأجَلِ العامِّ إظهارٌ للكافرينَ أنه قادرٌ عليهم بعَوْنِ اللهِ ونَصْرِه.

وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على أنَّ المُعاداةَ الكاملَةَ لأُمَمِ الكُفْرِ لا تكونُ إلَّا في زمَن القُوَّةِ والظهورِ والتمكُّن، وقد كان النبيِّ قبلَ ذلك يُهادِنُ قومًا، ويُقاتِلُ آخَرينَ، بحسَبِ قُدْرَتهِ وتمكينِة، فلمَّا قدَرَ على الجميع، قاتَلَ الجميع، ومُعاداةُ جميعِ الكُفَّارِ زمَنَ الضعفِ هلَكةٌ، ولم يَفعَلْها النَّبيِّ إلَّا زمَنَ ظهورِه.

وفي هذه الآيةِ: ما يدلُّ على ما تقدّمَ تقريرُهُ في سورةِ الأنفالِ وغيرِها؛ أنه يجوزُ للإمامِ أن يكتُبَ عهدًا وميثاقًا سلميًّا عامًّا مقيَّدًا بزمَنٍ للأمَمِ كلِّها، ولا يكونُ مطلَقًا؛ حتَّى لا يتعطَّلَ به الجهادُ، وذلك المقدارُ بحَسَبِ ما يَرَاهُ المُسلِمونَ مُناسبًا لقوَّتِهم في مُقابِلِ قوَّةِ عدوِّهم.

وفي الآياتِ: رحمةُ اللهِ ونبيِّه بالناسِ؛ فلم يأمُرِ النبيُّ أصحابَهُ بقتلِ الكافرينَ فَوْرَ القُدْرةِ عليهم؛ وإنَّما كان إمهالُهُمْ لِيَتحقَّقَ بذلك الإعذارُ وقيامُ الحُجَّة، وإنْ دخَلُوا الإسلامَ، فيَدخُلُونَهُ عن يقينِ وبصيرةٍ، لا عن خوفٍ مجرَّدِ فيُنافِقونَ ويتَربَّصونَ بالمُسلِمينَ الدوائرَ ويكيدونَ بهم، ويَرتَدُّونَ عندَ القُدْرةِ على الرِّدَّة، فيعُظمُ شرُّهم، وتستطيرُ فتْنَتُهم.

وقد تقدَّمَ الكلامُ على الوفاءِ بالعهودِ وأنواعِها وشروطِها ونَقْضِها في مَواضعَ مفرَّقةِ؛ منها عندَ قولهِ تعالى: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ١٠٠]، وقولِهِ تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: ٢٠٨]، وقولهِ تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة: ١]، وقولِهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>