للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾، فيه الأمرُ بعدَمِ الاكتفاءِ بقتالِ المشرِكينَ المُحارِبينَ عندَ لقائِهم، واعتراضِهِمُ الطَّرِيقَ: ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾؛ وإنَّما أمَرَ بالبحثِ عنهم وتَتبُّعِهِمْ في أماكنِ وجودِهم ولو كانوا مُستتِرينَ متخفِّينَ: ﴿وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾.

وقد جعَل الضَّحَّاكُ هذه الآيةَ ناسِخةً ومنسوخةً؛ جعَلَها ناسخةً لكلِّ آيةٍ فيها ميثاقٌ مِن النبيِّ معَ أحدٍ مِن المُشرِكينَ (١)، ثم جعَلَها منسوخةً بقولِهِ تعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤] (٢).

ومِنهم: مَن قال بعَكْسِ ذلك؛ فجعَلَ هذه الآيةَ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ ناسخة لقولِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ [محمد: ٤]؛ قالَة قتادةُ (٣).

وفي إطلاقِ النَّسْخِ نظَرٌ، فالعمَلُ بالآياتِ مُحْكَمٌ، وكلُّ موضعٍ في سياقِهِ وحالِه.

وفي قولِهِ تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وفي الآيةِ التي تَلِيِها بآياتٍ: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١١]: دليلٌ على أنَّ الإيمانَ قَوْلٌ وعَمَلٌ واعتقادٌ، فلم يَعْتَبِرِ اللهُ تَوْبَتَهُمْ مقبولةً حتَّى يَستسلِموا ظاهرًا بعمَل، وهذا الذي عليه إجماعُ الصَّحابةِ والتَّابعينَ، وقد بيَّنَّا هذه المسألةَ في "العقيدةِ الخُرَاسانيَّةِ".

* * *


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٧٥٢).
(٢) "تفسير الطبري" (١١/ ٣٤٨٩).
(٣) "تفسير الطبري" (١١/ ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>