للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقصودًا، لَما أَخَّرَ البيانَ فيه، مع العلمِ أنَّ استيعابَ جميعِهم مِن الأمورِ الشاقَّةِ التي تحتاجُ إلى كُلْفةٍ وتَحَرٍّ شديدٍ؛ وهذا يحتاجُ إلى بيانٍ شبيهٍ ببيانِ الأصنافِ الثمانيةِ مِن بينِ بقيَّةِ الأصنافِ المحتاجةِ للمال، فليس أصلُ بيانِ الثمانيةِ بأحوَجَ مِن بيانِ وجوبِ استيعابِهم لو كان واجبًا.

ومنها: أنَّ النبيَّ أخَدَ زكَواتِ كثيرٍ مِن الناس، وكذلك خلفاؤُه، ولم يثبُتْ أنه تَعمَّدَ استيعابَ الأصنافِ الثمانية، ولا نقَلَ ذلك عنه أحدٌ مِن أصحابِهِ صريحًا، ومِثلُ هذا لو كان عمَلًا لَنُقِلَ، فكيف يُقالُ بوجوبِهِ وإثمِ تارِكِه؟ !

ومنها: أنَّ استيعابَ الثمانيةِ غيرُ ممكِنٍ أو شاقٌّ جِدًّا في كثيرِ مِن الزَّكَوات، كمَنْ تجبُ عليه مِن مالِهِ زكاةٌ شاةٌ أو بقرةٌ، أو يجبُ في نقدَيْهِ مالٌ قليلٌ كدِرْهَمٍ ودِينارٍ؛ فكيف له قِسْمةُ ذلك على جميعِ الأصنافِ؟ ! ومثلُ هذا تكلُّفٌ؛ إذْ لا فَرْقَ في الوجوبِ بينَ كثيرِ الزكاةِ وقليلِها.

ومنها: أنَّ وجوبَ استيعابِ الأصنافِ الثمانيةِ يَلزَمُ منه إخراجُ الزكاةِ مِن بلَدِها إلى غيرِها مِن البُلْدانِ؛ فما كلُّ البُلْدانِ يُوجَدُ فيها قتالٌ في سبيلِ الله، ولا على أطرافِها ثغورٌ يُرابَطُ فيها، وقد قال النبيُّ لمعاذٍ: (فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ) (١)، فجعَلَها في الففقراءِ ولم يُفصِّلْ له، وجعَلَها فيهم لا في غيرِهم، وقد لا يُوجَدُ فيهم جميعُ مصارفِ الزكاةِ الثمانيةِ.

ومنها: أنَّ اللهَ صدَّرَ آيةَ الأصنافِ الثمانيةِ بكَلِمةِ الحصرِ (إنَّما)؛ لبيانِ الحصرِ فيهم، لا الاستيعابِ لجميعِهم، فهي لإخراجِ غيرِهم منهم، لا لِتَسَاويهِم.

ومنها: أنَّ اللهَ بيَّنَ وجوبَ المساواةِ والعَدْلِ في العطيَّةِ في أمورٍ


(١) أخرجه البخاري (١٣٩٥)، ومسلم (١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>