للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنْ يُشكِلُ على هذا: أنَّ عبدَ الرزَّاقِ وضَع قولَهُ هذا في "بابِ جلودِ المَيْتةِ إذا دُبِغَتْ"، وقد يؤيِّدُ أنَّ مُرادَهُ جلودُ الميتةِ لا الحيةِ: ما رواهُ ابنُ المنذِرِ؛ مِن حديثِ الوليدِ بنِ الوليدِ الدِّمَشْقيِّ، عن الأوزاعيِّ، عن الزُّهْريِّ؛ قال: "دِبَاغُهَا - يعني: الجلودَ - طَهُورُهَا" (١).

وأمَّا إذا دُبِغَ جِلْدُ الميتةِ، فقد اختلَفَ العلماءُ في طهارتِه وجوازِ استعمالِه على أقوالٍ:

الأولُ: لا يجوزُ؛ وهو قولُ أحمدَ.

وكرِهتْ عائشةُ جلودَ الميتةِ ولو دُبِغتْ؛ روى عبدُ الرزَّاقِ، عن نافعٍ، عن القاسمِ بنِ محمدِ بنِ أبي بكرٍ؛ أنَّ محمدَ بنَ الأشعثِ كلَّمَ عائشةَ في أنْ يَتَّخِذَ لها لِحَافًا مِن الفِرَاءِ، فقالتْ: إنَّه مَيْتةٌ، ولستُ بلابسةٍ شيئًا مِن المَيْتةِ، قال: فنحنُ نصنعُ لكِ لِحَافًا يُدْبَغُ، وكرِهتْ أنْ تلبَسَ مِن الميتةِ (٢).

وروى ابنُ المنذرِ، عن الأشعثِ، عن محمَّدٍ؛ قال: "كان ممَّن يَكْرَهُ الصلاةَ في الجِلْدِ إذا لم يكنْ ذَكِيًّا: عمرُ، وابنُهُ، وعائشةُ، وعِمْرانُ بنُ حُصَيْنٍ، وابنُ جابرٍ" (٣).

واختصَرَ أحمدُ القولَ في المسألةِ، فلم يجعَل للجِلْدِ حُكْمًا مستقِلًّا؛ فقال: "حكمُهُ حكمُ اللحمِ حيًّا وميتًا، ولحمُ الميتةِ لا يُباحُ أكلُهُ وإنْ عُولِجَ بكلِّ علاجِ وطيب، فكذلك جلْدِ الميْتةِ لا يُصلِحُهُ دِبَاغُه".

واحتجَّ أحمدُ على مَنْ قال بجوازِ جِلْدِ المَيْتةِ؛ بأنَّ جلدَ بهيمةِ الأنعامِ ربَّما أكَلَهُ الناسُ، فإذا كانوا لا يُجِيزونَ أكْلَ جِلْدِ المَيْتةِ لأنَّها ميتةٌ، فكيف يُجِيزونَ الانتفاعَ به وهو أخَذَ حُكْمَ اللحمِ أكْلًا؟ ! فوجَبَ أنْ يأخُذَ حُكْمَهُ انتفاعًا (٤).


(١) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (٢/ ٢٦٨).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٩٩) (١/ ٦٥).
(٣) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (٨٥٠) (٢/ ٢٦٥).
(٤) "مسائل الإمام أحمد، رواية ابن عبد الله" (١/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>