للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمَّا بدَّلوا منها، ولم يكُنِ النبيُّ يعتادُ الإنكارَ عليهم بما يَعلَمُ حُرْمَتَهُ مِن أفعالِهم وأقوالِهم التي هي دونَ الشِّرْك، فكان يبدَأْ بالشرِّ مِن أعلاهُ، وَيَرِدُ إلى أشهَرِ أسواقِ العربِ يَعرِضُ دِينَهُ في عُكَاظ ومَجَنَّةَ وذي المَجَازِ؛ كما روى أحمدُ؛ مِن حديثِ أبي الزُّبَيْر، عن جابرٍ؛ قال: مَكَثَ رَسُولُ اللهِ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، يَتبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ، وَفِي المَوَاسِمِ بِمِنًى، يَقُولُ: (مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، وَلَهُ الجَنَّةُ؟ )، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخرُجُ مِنَ اليَمَن، أَو مِنْ مُضَرَ - كَذَا قَالَ - فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ، فَيَقُولُونَ: احْذَرْ غُلَامَ قُرَيشٍ لَا يَفْتِنْكَ، وَيَمْشِي بَيْنَ رِجَالِهِمْ، وَهُمْ يُشِيرُونَ إِلَيهِ بِالأصَابع (١).

وقَصَدَ هذه الأسواقَ؛ لأنَّها أشهَرُ أسمواقِ العربِ ومَجْمَعُهم، وإذا ذُكِرَت مَحامعُ العرب، كانتْ هذه الثلاثةُ أوَّلَها، وقد روى البخاريُّ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: "كَانَتْ عُكَاظٌ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو المَجَازِ: أسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ" (٢).

وكانتِ العربُ تَرقُبُ هذه الأسواقَ كلَّ عامٍ، وتتوافَدُ إليها، وتُظهِرُ الشِّرْكَ والفِسْقَ مقرونًا ببيعٍ وشراءٍ وإنشادِ شعرٍ، وقد كانت عُكاظٌ أعظَمَ تلك الأسواقِ ببنَ نَخْلَةَ والطائف، وأمَّا ذو المَجَاز، فكان خلْفَ عرَفةَ، وأما مَجَنَّةُ - بفتحِ الميمِ وكسرِها، وبفنحِ الجيمِ والنونِ المشدَّدةِ - فهو مكانٌ على أميالٍ يسيرةٍ مِن مكةَ بناحيةِ مَرِّ الظَّهْران، وقد كانتِ العربُ تُقِيمُ بسوقِ عكاظٍ شهرَ شوَّالٍ، ثم تتحوَّلُ إلى مَجَنَّةَ فتُقيمُ فيه عِشرينَ يومًا مِن ذي القَعْدة، ثم تتحوَّلُ إلى سوقِ ذي المَجّاز، وهو على يَمينِ القادمِ مِن عَرَفةَ مِن جهةِ المُغَمَّسِ.

وغِشْيانُ هذه المواضعِ قد يكونُ واجبًا على القدوةِ إذا كان لا يَصِلُ إلى الناسِ إلَّا بها، كما كان يَفعَلُهُ النبيُّ .


(١) أخرجه أحمد (٣/ ٣٢٢).
(٢) أخرجه البخاري (٢٠٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>