للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه البِدْعةُ؟ ! كلَّما كَثُرَتِ المساجدُ قلَّ المُصَلُّونَ، أشهَدُ لقد كانتِ القبيلةُ بأَسْرِها ليس فيها إلَّا مسجدٌ واحدٌ، وكان أهلُ القبيلةِ يتَناوَبونَ المسجدَ الواحدَ في الحيِّ مِن الأحياءِ (١).

وأمَّا إنْ تباعَدَتْ أطرافُ الحيِّ والبلدِ حتى لا يَسمَعُ الناسُ الأذانَ لو نُودِي مِن فوقِ سَطْحِهِ بلا مكبِّرٍ زمَنَ هدوءٍ وبلا صَخَبٍ؛ فلا حرَجَ مِن بناءِ مساجدَ؛ كما بَنى النبيُّ مَساجِدَ في المدينةِ لأهلِها؛ كمسجِدِ قُباءٍ ومسجدِ بني زُرَيْقٍ وغيرِهما، وقد قيَّد النبيُّ حضورَ الجماعةِ بسَمَاعِ النِّداءِ؛ كما قال لِمَنِ الْتمَسَ رُخْصةً بتَرْكِها: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاء بِالصَّلَاةِ؟ )، قال: نعَمْ، قال: (فَأَجِبْ) (٢)، ومَن سمِع النِّداءَ مِن جهتَيْنِ وتَقارَبَ منه مسجدان، لم يَفقِدْهُ الجميعُ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ يظُنُّهُ في الآخَر، فلا يُعرَفُ المؤمِنونَ مِن المُنافِقينَ، ولا يتَمايَزُ الصَّالِحونَ، وتَضْعُفُ الشهادةُ للناسِ بالإيمانِ وتَزْكِيَتُهم بالخيرِ.

وإذا كَثُرَ الناسُ وتَزاحَموا في المسجدِ حتَّى لا يُطيقَهم، فالأولى أنْ يُوَسِّعُوهُ أو يُبدِّلوهُ بمكانٍ أوسَعَ منه، ولا يَبْنُوا مسجدًا قريبًا منه فتتعدَّدَ المساجدُ في المكانِ المُتقارِبِ؛ كما نصَّ على هذا أحمدُ بن حنبلٍ وغيرُه.

وإذا تعذَّر ذلك؛ كما يكونُ في العواصم المزدَحِمة، والمدنِ الكبيرةِ بالناس، والأبنيةِ المرتفِعةِ الشاهِقةِ التي يتعذَّرُ معَها جَمْعُهم في مسجدِ الحيِّ؛ فبعضُ الأبنيةِ الشاهقةِ اليومَ مَن يَسْكُنُها معَ صِغَرِ أرضِها آلافُ الناس، ولو كانوا على الأرض، لكانوا حيًّا كاملًا أو قريةً كاملةً، وإذا كانتِ الحالةُ تلك، فلا حرَجَ مِي تعدُّدِ المساجدِ في المكانِ المُتقارِبِ؛ لاجتماعِ مَفسدتَيْنِ؛ فيجوزُ ارتكابُ أَدْناهُما:


(١) "المدخل" لابن الحاج (٢/ ١٠٠).
(٢) أخرجه مسلم (٦٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>