للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استدَلَّ مَن قال بكراهةِ أكلِ لحومِها بدليلِ الخِطابِ في الآيةِ؛ حيثُ ذكَرَها اللَّهُ للركوبِ ولم يَذكُرْها للأكلِ، واللامُ في قولِهِ: ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ للتعليلِ، فذكَر اللَّهُ عِلَّةَ خَلْقِهِ لها، والعِلةُ المنصوصةُ تُفيدُ الحصرَ.

وهذا الإطلاقُ فيه نظرٌ؛ وذلك لو صحَّ، لكان مانعًا مِن ركوبِ الإبلِ؛ فاللَّهُ ذكَرَها في الأكلِ والدِّفْءِ وحَمْلِ الأثقالِ، ولم يَذكُرْها في الركوبِ، وإنَّما المرادُ: أنَّ اللَّهَ يذكُرُ أظهَرَ النِّعَمِ في البهائم، وليس في ذلك حصرُها، ولو كانتِ الآيةً حاصرةً، لامتنَعَ لذلك جوازُ حَرْثِ الأرضِ بالبقرِ وغيرِه.

وأمَّا الاستدلالُ بحديثِ خالدِ بنِ الوليدِ؛ أنَّه قال: "نَهَى رسولُ اللَّهِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ"، فقد رواهُ أبو داودَ (١) وغيرُهُ، ولا يصحُّ؛ أعَلَّه البخاريُّ وغيرُهُ (٢).

ثمَّ إنَّ سورةَ النحلِ مكيَّةٌ بلا خلافٍ، وأحاديثُ إباحةِ لحومِ الخيلِ مدنيَّةٌ بلا خلافٍ، ثمَّ إنَّ الآياتِ المكيَّةَ يُرادُ منها ذِكْرُ وجوهِ الاعتبارِ وحِكَمِ اللَّهِ في خَلْقِه، وليس المرادُ بذلك تفاصيلَ التشريعِ وحدودَه؛ فذلك إنَّما يَكونُ في السُّوَرِ المدنيَّةِ، والمكيُّ بَغلِبُ فيه الاعتبارُ لا التشريعُ.

وعامَّةُ السلفِ على حِلِّ لحومِ الخيلِ، إلَّا ما رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ، وقد جاء حِلُّ أكلِها عن جماعةٍ؛ كعبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وفَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، وأنسِ بنِ مالكٍ، وأسماءَ بنتِ أبي بكرٍ، وبه قال كبارُ التابعينَ: سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وعَلْقمةُ، والأسْوَدُ، وعطاءٌ، وشُرَيْحٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والحسنُ البصريُّ.


(١) أخرجه أبو داود (٣٧٩٠)، والنسائي (٤٣٣٢)، وابن ماجه (٣١٩٨).
(٢) "شرح النووي على مسلم" (١٣/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>