للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأظهَرُ: أنَّ الأمرَ في الآيةِ للاستحبابِ لا للوجوبِ، ولم يثبُتْ أنَّ النبيَّ أمَرَ بالاستعاذةِ عندَ القراءةِ أمرًا حمَلَهُ أصحابُهُ على الوجوبِ، ومَن تأمَّلَ كلامَ السلفِ، وجَدَ أنَّهم لا يُوجِبونَ الاستعاذةَ، ويكادُ يكونُ ذلك عندَهم إجماعًا، وقد حكى الإجماعَ ابنُ جريرٍ (١) وغيرُه.

وقد كان النبيُّ يُعلِّمُ أصحابَهُ الصلاةَ، ولم يكنْ يأمُرُهُمْ بالاستعاذةِ، ولو كاد واجبًا، لَمَا ترَكَ ذلك؛ ومِن ذلك تعليمُهُ المُسِيءَ في صلاتِه، وهو في "الصحيحَيْنِ"، فقد عَلَّمَهُ النبيُّ الصلاةَ، فقال له: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ. . .) (٢)، فعلَّمَهُ الصلاةَ، ولم يُعلِّمْهُ الاستعاذةَ.

على خلافٍ عندَ الفقهاءِ في مُوجِبِ الاستعاذةِ في الصلاةِ: هل هو للصلاةِ أو للقراءةِ؟ :

ومَن يَرى أنَّها للصلاةِ، يرى الاستعاذةَ ولو لم يَتَمكَّنِ المصلِّي مِن القراءةِ؛ فيكونُ حُكْمُها مستقِلًّا كحُكْمِ الاستفتاحِ؛ وإلى هذا ذهَبَ أبو يوسُفَ.

وجمهورُ العلماءِ: على أنَّ الاستعاذةَ للقراءةِ، ويرَوْنَها في الفَرْضِ والنَّفْلِ، وكان مالكٌ يُقيِّدُها بالنفلِ ويَكْرَهُها في الفرضِ.

وإذا لم تَجِبِ الاستعاذةُ عندَ القراءةِ في الصلاةِ، فإنَّها في خارجِها مِن بابِ أولى.


(١) "تفسير الطبري" (١٤/ ٣٥٧).
(٢) أخرجه البخاري (٧٥٧)، ومسلم (٣٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>