للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ ، وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرِ، ثُمَّ تَرَكُوهْ، فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: (مَا وَرَاءكَ؟ )، قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ! قَالَ: (كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ )، قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ، قَالَ: (إِنْ عَادُوا فَعُدْ) (١).

والإكراهُ المقصودُ: هو الذي لا اختيارَ ولا قُدْرةَ للإنسانِ معه؛ كالتهديدِ بقتلِه، أو إتلافِ عضوٍ منه، أو تعذيبِهِ بما لا يُطيقُه، مِن قادرٍ على ذلك، ويَفِي عادةً لو توعَّدَ.

ولم يَختلِفِ العلماءُ على أنَّ الإسلامَ يصحُّ مع الإكراهِ على الكفر، ومَن أُكرِهَ على الكفرِ ولا حَيْدةَ له عنه، فلا شيءَ عليه في ذلك ما دام قلبُهُ مطمئنًّا بالإيمانِ.

والتفاضُلُ في بابِ الإكراهِ يَختلِفُ؛ فبعضُ المَقاماتِ يجبُ فيها الصبرُ ولو قُتِل الإنسانُ؛ كمَن يتيدَّلُ الدِّينُ بإظهارِه الكفرَ، وهذا كمَقَامِ الأنبياءِ؛ ولهذا لم يرخِّصِ اللَّه لنبيٍّ في التلبُّسِ بالكفرِ ولو قُتِلَ على إيمانِه، ومِثْلُهم أعيانُ ورَثَتِهم الذين تعيَّنَ على الواحدِ منهم الوقوفُ بالحقِّ والثباتُ عليه، فيكونُ مَقامُهُ في قومِهِ كمَقامِ النبيِّ في أُمَّتِهِ؛ تفرُّدًا وانقيادًا للناسِ معه، والناسُ في هذا مقاماتٌ؛ فمَقَامُهُمْ في الناسِ كمَقَامِهِمْ في العُذْرِ، وكلَّما ارتفَعَ مَقامُهم، نقَصَ عذرُهم.

ومع وجودِ الرخصةِ ففد حكَى بعضُ العلماءِ الإجماعَ على أنَّ مَن اختار القتلَ وهو قادرٌ على الثباتِ عندَ الشِّدَّةِ، فإنَّه أفضلُ ممَّن اختار الرخصةَ.

ولا فرقَ في الإكراهِ بينَ الأقوالِ والأفعالِ على الصحيحِ؛ وهو قولُ الجمهورِ، والأشْهَرُ عن أحمدَ، ويتعيَّنُ مع فعلِ أو قولِ الكفرِ والمعصيةِ


(١) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٣٥٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>