للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيه فضلُ الإحسانِ بالمالِ والنفقةِ على المحتاجِ، وقدَّمَ القَرَابةَ على غيرِهم؛ لأنَّ النفقةَ عليِهم صَدَقةٌ وصِلَةٌ، والهديَّةُ للأقرَبِينَ التي تؤلِّفُ القلبَ ويُوصَلُ بها رحمٌ: أفضلُ مِن الصَّدَقةِ على بعيدٍ متوسِّطِ الحاجةِ.

وقد نَهَى اللَّهُ عن التبذيرِ حتى في الصَّدَقةِ، والمرادُ بذلك: الإنفاقُ بما يُضِرُّ بمالِ الرجُلِ وأهلِهِ وولدِهِ ومَنْ له حقٌّ عليه؛ وهذا كما في قولِهِ تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١)[الأنعام: ١٤١]، وقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة: ٢١٩]، وقولِه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧)[الفرقان: ٦٧].

وتقدَّم الكلامُ على السَّرَفِ والتبذيرِ وأنواعِهِ وحدودِهِ وكيفيَّةِ معرفتِهِ، عندَ آيةِ الأنعامِ السابقةِ، وعندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: ٣١].

وقد أمَرَ اللَّهُ بالإنفاقِ على مَنْ لا يُحسِنُ تدبيرَ المالِ، ونهَى عن إعطائِهِ إيَّاهُ؛ حتى لا يَضَعَهُ في غيرِ موضعِه؛ إمَّا بحرامٍ أو بسَرَفٍ في حلالٍ؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)[النساء: ٥]؛ ولهذا جاء النهيُ عن الوصيَّةِ فوقَ الثُّلُثِ؛ لأنَّ الوصيَّةَ فوقَ الثلُثِ تُضِرُّ بالورثةِ، وقد بيَّنَ اللَّهُ فضلَ الإحسانِ إلى الورثةِ مِن بعدِ الموتِ بِتَرْكِ مالٍ لهم؛ كما في قولِهِ تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩)[النساء: ٩]، وعندَ هذه الآيةِ تكلَّمْنا على الوصيَّةِ بالثُّلُثِ، وحُكْمِ الوصيَّةِ بما زاد عليها، ووصيَّةِ الرجُلِ بمالِهِ كلَّه إنْ لم يكنُ له ورثةٌ.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>