كان في أهل الكهفِ عِبْرةٌ وعِظَةُ للناس، فعظَّمُوهُمْ وأَكْبَرُوا مَنْزِلَتَهم؛ حتى قال بعضُ كِبَارِهم من الأمراء والسلاطين: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مسجدًا؛ التماسًا لصلاحِهم؛ لأنَّ اللَّه لا يجعلُ المعجزةَ والكرامةَ إلَّا لِمَنْ أحَبَّ؛ وهذا الأمرُ قاله كُبَراؤُهم: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ﴾؛ يعني: أهلَ الغلَبةِ من ذوي الأمرِ والقهرِ.
وهذا الفعلُ استدَلَّ به بعضُ الجُهَّالِ على جواز اتِّخاذِ القبورِ مساجدَ، وعلى جوازِ دَفْنِ الصالِحِينَ فيها؛ وهذا لا حُجَّةَ فيه؛ فإنَّ الذين طلبوا ذلك ليسوا المُسلِمِين الصالِحِينَ؛ وإنَّما أهلُ القهر والتسلُّطِ والاستبدادِ، كما في ظاهرِ الآية: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ﴾، وقد قال ابنُ عبَّاسٍ كما في روايةِ العُوْفِيِّ عنه:"إنَّ قائلَ ذلك عدوُّهم"(١).
وما يُذكَرُ في القرآنِ من أحوالِ الأُمَمِ السابقةِ لا يجوزُ أخذُهُ إنْ خالَفَ ما جاءت به شِرْعةُ محمَّدٍ ﷺ، ولو جَاز ذلك، لَجَازَ اتِّخاذُ الأصنام؛ وذلك لقولِهِ تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (١٣)﴾ [سبأ: ١٣]، وقد كان النبيُّ ﷺ يَنْهَى عن التصاوير واتِّخاذِ الأصنام؛ بل يأمُرُ بكَسْرِها وطَمْسِها؛ كما ثبَتَ في "الصحيح"، عن أبي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: "قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى