للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصلاةُ الجنازةِ تختلِفُ عن غيرِها؛ فقصدُ صلاةِ الجنازةِ نفعُ الحيِّ للميِّت، وقصدُ الصلواتِ الأُخرى عندَ القبورِ نفعُ الميِّتِ للحيِّ، واختلافُ العِلَّةِ يُغايِرُ الحُكْمَ، وكان السلفُ يُفرِّقونَ بينَ صلاةِ الجنازةِ وغيرِها، وقد روى منصورٌ، عن إبراهيمَ؛ قال: "كانوا إذا خرَجُوا مِن الجنائز، لم يُصَلُّوا بينَ المقابرِ تطوُّعًا، فإذا حضَرَتْ صلاةٌ مكتوبةٌ، تَنَحَّوْا عن القبورِ فصَلَّوْا" (١).

وقد قال أحمدُ: "لا يُصلَّى في مسجدٍ ببنَ المقابرِ إلَّا الجنائرُ؛ لأنَّ الجنائزَ هذه سُنَّتُها" (٢).

ولا خلافَ عندَ العلماءِ على أنَّه لا يجوزُ دفنُ الميِّتِ قبلَ الصلاةِ عليه مع القدرةِ على ذلك، وأنَّه لا يجوزُ لهم إرجاءُ الصلاةِ عليه بعدَ الدفنِ وهم مُختارُونَ لها قبلَ ذلك.

* * *

* قال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ [الكهف: ٢٣، ٢٤].

في هذه الآيةِ: مشروعيَّةُ الاستثناءِ عمَّا يَعزِمُ الإنسانُ على فعلِهِ أو قولِهِ في المستقبَل، وهو أن يقولَ: "إنْ شاءَ اللَّهُ"؛ فإنَّها تُقالُ بَرَكةً وتوكُّلًا على اللَّهِ واستعانةً به، وتُقالُ رفعًا للحَرَجِ عندَ اليمينِ والوعدِ بشيءٍ.

والاستثناءُ ينفعُ صاحِبَهُ في إيمانِهِ بربِّهِ ويقينِهِ به وتوكُّلِهِ عليه واستعانتِهِ به ولو كان مُنفصِلًا، فمَنْ نَسِيَهُ ينبغي له استدراكُه؛ فإنَّه يُعلِّقُ القلبَ باللَّه، ويُعِينُ على تحقيقِ الغاياتِ المطلوبةِ، وفي "الصحيحَيْنِ"؛


(١) "نسخة أبي مسهر" (٥٥).
(٢) "فتح الباري" لابن رجب (٢/ ٤٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>