للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعظَّمةِ ولقاءِ العُظَماءِ يُستحَبُّ نَزْعُ النِّعَالِ، وإنْ صحَّ ذلك فيُمْكِنُ تخصيصُهُ بمَن قَبْلَنا؛ لأنَّ النبيَّ ثبَتَ عنه الصلاةُ في النِّعَالِ، ودخولُ المسجدِ بها، بل دخَلَ النبيُّ البيتَ الحرامَ ببَعِيرِه، وفعَلَ مِثْلَهُ جماعةٌ مِن أصحابِهِ وأزواجِه، وطافُوا حولَ البِيتِ عليه، وليستْ أقدامُ البهائمِ بأطهَرَ من أقدامِ بَني آدمَ، فضلًا عن الأنبياءِ.

وقد وقَفَ النبيُّ عندَ المَقامِ بنعلَيْهِ؛ كما رواه أحمدُ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ (١)، وطاف ابن الزُّبَيْرِ بنعلَيْهِ؛ كما رواهُ الفاكهيُّ (٢).

وظاهرُ قولِه تعالى بعدَ الأمرِ بخَلْعِ النِّعالِ: ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾: أنَّ العلةَ مِن خَلْعِ النِّعالِ هو قُدْسِيَّةُ المكانِ وخَصُوصِيَّتُه، ويتَّفقُ العلماءُ على أنَّ قدسيَّةَ المسجدِ الحرامِ ومسجدِ النبيِّ أعظَمُ مِن قدسيَّةِ الوادِي المقدَّسِ طُوًى.

ولكنْ يَحتمِلُ أن العلةَ في ذلك هي أنَّ لذلك المكانِ مِن القُدْسِيَّةِ التي جعَلَها اللَّهُ فيه عندَ قدومِ موسى وسماعِ كلامِ اللَّهِ بلا واسطةٍ في الأرضِ: ما ليس في غيرِه، ثمَّ رُفِعَ ذلك القَدْرُ مِن القُدْسِيِّةِ بانتهاءِ ذلك؛ وذلك أن اللَّهَ كلَمَ موسى في الأرصِ بلا واسطةٍ، ولم يُسبَق موسى بأحدٍ مِن الأنبياءِ أنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ كذلك، وأمَّا نبيُّنا فقد كَلَّمَهُ اللَّهُ بلا واسطةٍ، ولكنْ في السماءِ، لا فى الأرضِ.

ويَحتمِلُ أن يكونَ الأمرُ بذلك مِن جنسِ أمرِ جبريلَ النبيَّ بنَزْعِ نعلَيْهِ؛ لأنَّه كان فيهما قذَرٌ، وذلك كما جاء في حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ؛ قال: بينَما النبيُّ يُصَلِّي بِأصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ القَوْمُ، أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ


(١) أخرجه أحمد (٢/ ٤٢٢).
(٢) أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" (٥٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>