إتلافُها إن كانتِ الحالةُ كذلك؛ فإنَّ موسى لو غيَّرَها بصياغتِها، لكان في بني إسرائيلَ من يجمعُها، أو يَعبُدُ ما صاغَهُ منها وقطَعَهُ ولو في قلائِدَ في أعناقِ النِّساءِ.
وإذا كان هذا ما فعَلَهُ موسى، وهو وَحْيٌ، فمِثْلُ ذلك ما يتعلَّقُ بالأصنامِ التي يتعلَّقُ الناسُ بها وبأصولِها ولو كانتْ ثمينةَ القيمةِ لتاريخِها ونَفَاسةِ جَوْهَرِها؛ فإنَّه لا أعظَمَ ولا أشدَّ نَفَاسةً مِن توحيدِ اللَّهِ الذي لأجلِهِ وُجِدَ الخَلْقُ وَأُرْسِلَتِ الرُّسُل، وأُنْزِلَتِ الكُتُب.
وإن كانتِ الأصنامُ تُصنَعُ مِن جوهرٍ نفيسٍ ولم تتعلَّق بِعْيِنِها النفوسُ، ويُمكِنُ تغييرُها وصَهْرُها وانتفاعُ الناسِ بها مِن غيرِ مَفْسَدةٍ لاحقةٍ، فالأمرُ في مِثلِ هذه الحالةِ يَختلفُ؛ لاختلافِ الحالِ والعِلَّةِ، فإنَّ الحُكْمَ يختلِفُ تَبَعًا؛ فإنَّ الحكمَ يدورُ مع عِلَّتِهِ وجودًا وعدمًا.
في هذه الآيةِ: بيانُ أنَّ الكسبَ والنفقةَ على الرجُلِ واجِبٌ، وأنَّه فرضٌ عليه فِطْرةً جُبِلَ عليها آدمُ وحَوَّاءُ مِن أولِ الخَلْقِ؛ وذلك أنَّ اللَّهَ تعالى قال لآدمَ وحَوَّاءَ وهما في الجنةِ قبلَ خروجِهما، محذِّرًا مِن الأكلِ مِن الشجرةِ استجابةً لتلبيس إبليسَ: ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾؛ أي: تخرُجانِ جميعًا والشقاءُ لآدمَ؛ لأنَّه كان مَكْفِيًّا في الجنةِ مِن الضَّرْبِ في الأرضِ والعملِ والتكسُّبِ، وأمَّا في الدُّنيا، فسيَشْقَى وحدَهُ، ومحلُّ حواءَ في قَرَارِها، واللَّهُ أمَرَ الرِّجَالَ؛ لكنَّه لم يَنْهَ النِّساءَ عن التكسُّبِ إنِ احتَجْنَ إليه مِن غيرِ تبرُّجٍ ولا اختلاطٍ بالرِّجالِ الأجانبِ.