للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبيهقيُّ في "الشُّعَبِ" -واللفظُ له- وغيرُهما، عن المغيرةِ بنِ عبدِ اللَّهِ اليشكُريِّ، عن أبيه؛ قال: "قَدِمتُ الكُوفةَ أنا وصاحبٌ لي لِأَجلِبَ منها نعالًا، فغدَوْنا إلى السُّوقِ ولمَّا تُقَمْ، فقلتُ لصاحبي: لو دخَلْنا المسجدَ" (١).

ورُوِيَ عن الحسنِ: "واللَّهِ، لقد كانوا يَتبايَعُونَ في الأسواقِ، فإذا حضَرَ حقٌّ مِن حقوقِ اللَّهِ، بدؤوا بحقِّ اللَّهِ حتى يَقْضُوهُ، ثمَّ عادُوا إلى تجارتِهم" (٢).

وفي "الحِليَةِ" لأبي نُعَيمٍ، عن سُفْيانَ الثوريِّ: "كانوا يَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ، ولا يَدَعُونَ الصلواتِ المكتوباتِ في الجماعةِ" (٣).

وكان جماعةٌ مِن المفسِّرينَ مِن التابعينَ على تبايُنِ بُلْدانِهم، يَحمِلونَ قولَ اللَّهِ تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} على تركِ البيعِ والشراءِ والانصرافِ للصلواتِ، وممَّن قال بهذا: عطاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ، وأبو العاليةِ رُفَيْعُ بنُ مِهرانَ، وأيوبُ، والحسنُ، وقتادةُ، ومطرٌ الورَّاقُ، والربيعُ بنُ أنسٍ، والسُّدِّيُّ، والثوريُّ، ومقاتلُ بنُ حَيَّانَ، والضحَّاكُ بن مَخْلَدٍ (٤).

وقد كانتِ الأسواقُ في بُلْدانِ المُسلِمينَ على ذلك؛ كانوا يَدَعُونَ أسواقَهُمْ، ويتَّجهونَ إلى الصلاةِ؛ كما قال أبو طالبِ المَكِّيُّ في "قُوتِ القلوبِ"، ذاكرًا حالَ الأسواقِ عندَ السالِفِينَ: "إذا سَمِعوا الأذانَ، ابتدَرُوا المساجِدَ، وكانتِ الأسواقُ تخلو مِن التجارِ، وكان في أوقاتِ


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٣/ ٤٧٢)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (١٠٦٢٠).
(٢) "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ١٨٩).
(٣) "حلية الأولياء" (٧/ ١٥)، و"شعب الإيمان" (٢٦٦١).
(٤) ينظر: "تفسير ابن أبي حاتم" (٨/ ٢٦٠٧ - ٢٦٠٩)، و"تفسير ابن كثير" (٦/ ٦٩)، و"صحيح البخاري" (٣/ ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>