للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه تعالى: ﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ هو في كلِّ أمرٍ يَلزَمُ فيه اجتماعُ الناسِ وشهودُهُمْ؛ كالجهادِ، والجُمُعةِ، والعيدَيْنِ.

ودليلُ الخِطَابِ مِن الآيةِ يُجِيزُ الذَّهَابَ مِن غيرِ استئذانٍ في غيرِ الأمرِ الجامعِ؛ كالتقاءِ الناسِ جماعاتٍ في الأسواقِ والولائمِ ونحوِها مِن الأمورِ التي الأصلُ في الانصرافِ منها: عدمُ الإذنِ.

* * *

* قال تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣].

كان الناسُ يَتجوَّزونَ في مُناداةِ النبيِّ باسمِهِ أو كُنيتِهِ؛ كما يَفْعَلُونَ بأنفُسِهم، فنَهَاهُمُ اللَّهُ عن ذلك، وأمَرَهُمْ بدُعائِهِ بأوصافِ الإجلالِ والتكريمِ؛ كقولِهم: يا رسولَ اللَّهِ، أو يا نبيَّ اللَّهِ، أو يا أيُّها النبيُّ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى وهو الخالقُ المعبودُ، والنبيُّ مخلوقُهُ وعبدُهُ: يقولُ له في ندائِه: "يا أيُّها النبيُّ".

وناسبَتْ هذه الآيةُ ما قبلَها أنَّ اللَّهَ أمَرَ في الآيةِ السابقةِ أنْ يَستأذِنُوا النبيَّ عندَ ذَهَابِهم مِن عندِهِ في الأمورِ الجامِعةِ، فكان مناسِبًا تعليمُهُمْ أسلوبَ النِّداءِ عندَ الاستئذانِ والخطابِ.

وقد جاء عن ابنِ عبَّاسٍ ومجاهِدٍ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: "أنَّ الناسَ كانوا يقولونَ: يا محمَّدُ، يا أبا القاسمِ، فنَهاهُم اللَّهُ عن ذلك" (١).

قولُه تعالى: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا﴾: المرادُ به


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٨/ ٢٦٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>