للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التدبُّرَ والتأمُّلَ، وحتى لا يَغلبَ عليه حبُّ التكثُّرِ بإقامةِ الحروفِ على إقامةِ المعاني، وحتى تأخُذَ النَّفسُ نصيبَها مِن القرآنِ خشوعًا وخضوعًا؛ فإنَّ النَّفْسَ لا تخشعُ على الحقيقةِ إلَّا إذا فَهِمَتِ المعانيَ -وأمَّا خشوعُها بلا فهمٍ للمعنى، فغالبًا يكونُ لأجلِ صوتِ القارئِ؛ فإنْ قرأه بالتحزينِ، حَزِنَ مَن لم يَفهمِ المعنى، وإنْ قرَأ بالتغنِّي، وجَدَ في نفسِه نشوةً- ويجدُ السامعُ خشوعًا ولو لم يَفهمِ المعنى؛ لأثرِه في طردِ الشياطينِ ووساوسِ النفسِ وكونِه شفاءً لِما في الصدورِ، ولكنَّ هذا الأثرَ يزولُ غالبًا إن ترَك القراءةَ، أمَّا فهمُ مَعاينه، فتُورِثُ في القلبِ خضوعًا وخشوعًا وإيمانًا يدومُ في القلبِ ما دام فيه ذلك المعنى حاضرًا.

وذهَبَ بعضُ السلفِ: إلى جوازِ قراءتِهِ دونِ ثلاثٍ، وبه عمِل بعضُهم؛ كعثمانَ وتميمٍ الداريِّ وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ وأبي بكرِ بنِ عيَّاشٍ ومنصورِ بنِ زاذانَ ويحيى بنِ سعيدٍ القَطَّانِ، كانوا: يَختِمونَ كلَّ يومٍ (١)، وصحَّ عن مجاهدٍ والشافعيِّ: تخصيصُ رمضانَ بالخَتْمِ فيه كلَّ يومٍ؛ فيَختِمُ مجاهدٌ مرَّةً، والشافعيُّ مرَّتَيْنِ؛ رواهُ عن مجاهدٍ ابنُ أبي داودَ (٢)، وعن الشافعيِّ رواهُ الرَّبيعُ، وأسنَدَه عنه البيهقيُّ (٣)، ورُوِيَ عن أبي حنيفةَ نحوُه (٤).

وكان ابنُ المسيَّبِ يختمُ في ليلتَيْنِ (٥)، وكان الأسودُ بنُ يزيدَ يختمُهُ في رمضانَ كلَّ ليلتَيْنِ (٦).


(١) ينظر: "مختصر قيام الليل" للمروزي (ص ١٥٧)، و"التبيان فى آداب حملة القرآن" (ص ٥٩ - ٦١)، و"تحفة الأحوذي" (٨/ ٢٧٢ - ١٧٣).
(٢) "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص ٦٠).
(٣) "مناقب الشافعي" (٢/ ١٥٩).
(٤) "تاريخ بغداد" (١٥/ ٤٨٤)، و"سير أعلام النبلاء" (٦/ ٤٠٠).
(٥) "مختصر قيام الليل" للمروزي (ص ١٥٧).
(٦) "الطبقات الكبرى" (٦/ ٧٣) و"سير أعلام النبلاء" (٤/ ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>