المرادُ بالجهادِ هنا: هو الجهادُ باللِّسَانِ، وبيانُ الحقِّ بالقرآنِ وحُجَحِه وبراهينِه، وجهادُ اللِّسَانِ والبيانِ أعظَمُ مِن جهادِ السِّنَان؛ فإنَّ الأولَ قد يقومُ بدونِ الثاني، والثانيَ لا يقومُ إلَّا بالأولِ، وهذه الآيةُ مكيَّةٌ كهذه السُّورةِ، ونزَلَتْ ولم يُفرَضِ الجهادُ بعدُ.
وحِينَما أمَر اللَّهُ بجهادِ اللِّسَانِ وصَفَ النوعَ الذي يأمُرُ به بوَصْفَيْنِ في كتابِه لم يَصِفْ بهما جهادَ السِّنَانِ؛ الأولُ: أنَّه جهادٌ كبيرٌ؛ كما في الآيةِ، والثاني: أنَّه حقُّ الجهادِ؛ كما في قولِه تعالى في سورةِ الحجِّ: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [٧٨].
في هذه الآيةِ: وجوبُ تجرُّدِ المُصلِحِ وإعراضِهِ عن دُنيا الناسِ؛ حتى لا يظُنُّوا به سُوءًا؛ كطمعٍ في الدُّنيا والجاهِ؛ وذلك أنَّ أولَ ظنِّ الظاِلمينَ بالمُصلِحِينَ حينَما يُنكِرونَ عليهم ضلالَهم: أنَّهم يُرِيدونَ مُزاحَمَتَهم على سُلْطانِهم وجَاهِهم؛ لأنَّ نفوسَهم تتشرَّبُ مِنِ اتِّباعِ ذلك،