للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهجرُ العملِ به على أنواعٍ كثيرةٍ: منها هجرُ الإيمانِ به، وهجرُ امتثالِ أوامرِهِ. واجتنابِ نواهيِهِ، وهجرُ الحاكمِ والسُّلطانِ والقاضي لأحكامِه وتعطيلُها، والقضاءُ بالهوى والرأي، وسَنُّ القوانينِ المُخالِفةِ له.

* * *

* قال تعالى: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٢].

المرادُ بالجهادِ هنا: هو الجهادُ باللِّسَانِ، وبيانُ الحقِّ بالقرآنِ وحُجَحِه وبراهينِه، وجهادُ اللِّسَانِ والبيانِ أعظَمُ مِن جهادِ السِّنَان؛ فإنَّ الأولَ قد يقومُ بدونِ الثاني، والثانيَ لا يقومُ إلَّا بالأولِ، وهذه الآيةُ مكيَّةٌ كهذه السُّورةِ، ونزَلَتْ ولم يُفرَضِ الجهادُ بعدُ.

وحِينَما أمَر اللَّهُ بجهادِ اللِّسَانِ وصَفَ النوعَ الذي يأمُرُ به بوَصْفَيْنِ في كتابِه لم يَصِفْ بهما جهادَ السِّنَانِ؛ الأولُ: أنَّه جهادٌ كبيرٌ؛ كما في الآيةِ، والثاني: أنَّه حقُّ الجهادِ؛ كما في قولِه تعالى في سورةِ الحجِّ: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [٧٨].

* * *

* قال تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٥٧].

في هذه الآيةِ: وجوبُ تجرُّدِ المُصلِحِ وإعراضِهِ عن دُنيا الناسِ؛ حتى لا يظُنُّوا به سُوءًا؛ كطمعٍ في الدُّنيا والجاهِ؛ وذلك أنَّ أولَ ظنِّ الظاِلمينَ بالمُصلِحِينَ حينَما يُنكِرونَ عليهم ضلالَهم: أنَّهم يُرِيدونَ مُزاحَمَتَهم على سُلْطانِهم وجَاهِهم؛ لأنَّ نفوسَهم تتشرَّبُ مِنِ اتِّباعِ ذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>