للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النصارى واليهودِ، حتى أَحَلُّوا نكاحَ المَحَارمِ، فرُفِعَ ما بَقِيَ مِن كتابِهم ولم يبقَ لدَيْهِمْ منه شيءٌ، وكان حُكْمُهم كحُكْمِ سائرِ الوثنيِّينَ، إلَّا ما دلَّ عليه الدليلُ كالجِزْيةِ فساوَوْا أهلَ الكتابِ، وقد روَى عبدُ الرزَّاقِ والشافعيُّ، عن عليٍّ -رضي اللَّه عنه-؛ قال: "كان المجوسُ أهلَ كتابٍ يَقْرَؤُونَهُ، وعِلْمٍ يَدْرُسونَه، فشَرِبَ أميرُهم الخمرَ، فوقعَ على أختِه، فلمَّا أصبَحَ، دعا أهلَ الطمعِ فأعطاهُم، وقال: إنَّ آدَمَ كان يُنكِحُ أولادَهُ بناتِه، فأطاعُوه، وقتَلَ مَن خالَفَهُ، فأُسْرِيَ على كتابِهم وعلى ما في قلوبِهم منه، فلم يَبْقَ عندَهم منه شيءٌ" (١).

وأخرَجَهُ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ في "التفسيرِ" بإسنادٍ صحيحٍ، عن ابنِ أَبْزَى، عن عليٍّ؛ بنحوِه (٢).

وقد كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابُه يَرَوْنَ أنَّ أهلَ الكتابِ أقلُّ شرًّا مِن المجوسِ، والرومَ أقرَبُ مِن فارسَ لهذا الأمرِ؛ فكانوا يُحِبُّونَ الغَلَبةَ للرُّومِ على فارسَ، وإنْ كان الصحابةُ قاتَلُوهُمْ جميعًا.

وقد روَى أحمدُ والترمذيُّ؛ مِن حديثِ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ -رضي اللَّه عنهما-؛ في قولِه تعالى: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ}؛ قال: "غُلِبَتْ وَغَلَبَتْ، قَالَ: كَانَ المُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، فَذَكَرُوهُ لِأَبِي بَكْرٍ، فذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أَمَا إِنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ)، قَالَ: فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهُمْ، فَقَالُوا: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَجَلًا؛ فَإِنْ ظَهَرْنَا، كَانَ لَنَا كَذَا وَكَذَا، وَإِنْ ظَهَرْتُمْ، كَانَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا، فَجَعَلَ أَجَلًا خَمْسَ سِنِينَ، فَلَمْ


(١) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٩٢٦٢)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ١٨٨).
(٢) ينظر: "فتح الباري" لابن حجر (٦/ ٢٦١)، و"الدر المنثور" (١٥/ ٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>