للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التسبيحِ في السجودِ، ومِثلُه الركوعُ، على قولَيْنِ للفقهاءِ، هما روايتانِ عن أحمدَ:

الأولى: الوجوب؛ وهو قولُ داودَ، وهو مذهبُ الحنابلةِ، ورجَّحه جماعةٌ من محقِّقي المذهبِ، وقال به داودُ؛ وذلك لِما رواهُ أحمدُ وأبو داودَ؛ مِن حديثِ عُقْبةَ بنِ عامرٍ -رضي اللَّه عنه-؛ قال: لمَّا نزلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: ٧٤ و ٩٦، والحاقة: ٥٢]، قال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اجْعَلُوهَا فِي رُكوعِكم)، فلمَّا نزَلَتْ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: ١]، قال: (اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ) (١)، وحمَلُوا الأمر الواردَ في الحديثِ على الوجوبِ.

الثانيةُ: الاستحبابُ؛ وهو قولُ جمهورِ الفقهاءِ؛ وذلك أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يعلِّمْهُ المُسِيءَ في صلاتِه، وما عَلَّمَهُ إلَّا ما تصحُّ به الصلاةُ.

وحديث عُقبةَ متكلَّمٌ فيه، يَرويهِ موسى بنُ أيوبَ، عن عمِّه إياسِ بنِ عامرٍ، عن عُقْبةَ، وإياسٌ مستورٌ قليلُ الحديثِ لا يُعرَفُ راوٍ عنه غيرُ ابنِ أخيه، وموسى في حديثهِ المرفوعِ عن عمِّه كلامٌ؛ فقد ضعَّف ابنُ مَعِينٍ حديثَهُ المرفوعَ عن عمِّه (٢).

ثمَّ أيضًا فإنَّ قولَهُ تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: ١] في سورة الأعلى، وقولَه تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: ٧٤ و ٩٦، والحاقة: ٥٢] في سورةِ الواقعةِ والحاقَّةِ، وهذه السَّوَرُ الثلاثُ مكيَّةٌ، وتقييدُ الأمرِ بها عندَ نزولها دالٌّ على أنَّ الوجوب كان بمَكَّةَ، ومِثلُ هذه الأذكارِ وجنسُ هذه الواجباتِ مِن الأقوالِ في الصلاةِ: لم يُفرَضْ إلَّا في المدينةِ، ولو كان فرضًا قديمًا لاشتهَرَ فرضُه، وتمَّ تعليمُهُ الناسَ مع تعليمِ الصلاةِ لكلِّ أحدٍ.


(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٥٥)، وأبو داود (٨٦٩)، وابن ماجه (٨٨٧).
(٢) ينظر: "الضعفاء الكبير" للعقيلي (٤/ ١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>