للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدُّنيا ويَرْكَنَ اليها، وأراد اللَّهُ تشريفَ مَقَامِهِ وتنزيهَهُ عن لُوثَاتِ الدُّنيا وطمعِها عن لَذَّةِ الآخِرةِ ونعيمِها المقيمِ.

وفي "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ؛ أنَّ عائشةَ زوجَ النبيِّ أخبَرَتْهُ؛ أنَّ رسولَ اللَّهِ جَاءَهَا حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنَّ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ، فبَدَأَ بِي رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ: (إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلا عَلَيْكِ أَلَّا تَسْتَعجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبوَيْكِ)، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثَمَّ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾ إِلَى تَمَامِ الآيَتَيْنِ)، فَقُلْتُ لَهُ: فَفِي أَيَّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ ! فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ (١).

* * *

* قال تعالى: ﴿يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٣٢) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (٣٣)[الأحزاب: ٣٢ - ٣٣].

خَصَّ اللَّه نساءَ النبيِّ بالخِطابِ، وقال: ﴿لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾؛ وذلك لمَقَامِ النبوَّةِ، فهنَّ قدوةٌ لنساءِ العالَمِينَ جميعًا، بخلافِ غيرِهِنَّ، ولأنَّ أثرَ خَطَئِهِنَّ يتعدَّى إلى الزوجِ؛ وهو رسولُ اللَّهِ ؛ فإنَّ تُهمَةَ المرأةِ في عِرْضِها تتعدَّى إلى زوجِها في إقرارِه لها على ذلك، والأمرُ يتَّصلُ بعِرْضِه ونَسَبِه، بخلاف الكفرِ؛ لهذا قدَّر اللَّهُ في نساءِ بعضِ


(١) أخرجه البخاري (٤٧٨٥)، ومسلم (١٤٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>