للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالت طائفةٌ: إنَّه مخيَّرٌ بينَ المَنِّ والفِدَاءِ، وليبس له القتلُ؛ أخذًا مِن ظاهرِ الآية، وأنَّ اللَّهَ خيَّرَ بينَهما، ولم يُخيِّرْهُ بالقتلِ؛ وصحَّ هذا عن عطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ والحَسَنِ (١)، ورأَوْا أنَّ الأسيرَ لا يُقتَلُ إلَّا في الحربِ.

وقال بعضُهم: إنَّه يجبُ فيهم القتلُ، وإنَّ التخييرَ منسوخٌ على ما تقدَّمَ حكايتُه، وممَّن قال بهذا القولِ مَن جعَلَ الآيةَ خاصَّةً بأهلِ الأوثانِ؛ فلا يُفادَوْنَ ولا يُمَنُّ عليهم؛ وفيه نظرٌ.

ومنهم مَنِ استثنى المرأةَ؛ لأنَّها لا تُقتَل، فيجوزُ الفِداءُ بها.

وبقتلِ الأُسارَى قال أبو حنيفةَ؛ حتى لا يعُودوا لقتالِ المُسلِمِينَ.

وقال جمهورُ الفقهاءِ: بأنَّه مخيَّرٌ بينَ القتلِ والمَنِّ والفِدَاءِ والاسترقاقِ، وهذا الأرجحُ، فقد قتَلَ النبيُّ أقوامًا مِن أَسْرَى الكافرينَ؛ ففي بَدْرِ قتَلَ النضرَ بنَ الحارث، وعُقْبةَ بنَ أبي مُعَيطٍ، وقد روى البخاريُّ ومسلمٌ أنَّ ثُمَامَةَ بنَ أُثَالٍ قال لرسولِ اللَّهِ حينَ قال له: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ ": "إِن تَقْتُلْ تَقتُل ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِن كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ، فَسَل تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ" (٢).

وإنَّما لم يُذكَرِ القتلُ في الآيةِ؛ لظهورِه، وقد كان سابقًا مِن النبيِّ في مواضعَ مِن الأَسْرَى، والحاجةُ ماسَّةٌ لبيانِ الحقِّ بالفِدَاءِ أو المَنِّ، وقد قتَلَ النبيُّ أَسْرَى في بدر، وقتَلَ رجالَ بني قُرَيْظةَ، وهذا العملُ المشتهِرُ لو كان منسوخًا، لنُسِخَ بنصٍّ واضحٍ بيِّنٍ؛ لأنَّه ليس بالأمرِ الهيِّنِ، ولَتَجَلَّى في عملِ الصحابةِ.

وبالتخييرِ بينَ القتلِ والمَنِّ والفِدَاءِ والرِّقِّ قال جمهورُ الأئمَّةِ، وهو


(١) "تفسير الطبري" (٢١/ ١٨٥ - ١٨٦).
(٢) أخرجه البخاري (٤٣٧٢)، ومسلم (١٧٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>