ذكَرَ اللَّهُ أنْ لو تولَّى المؤمنون عن شريعةِ اللَّه، ومنها الجهادُ، وأنَّ تَوَلِّيهم سيكونُ سببًا للفسادِ في الأرضِ كما كان الناسُ في الجاهليَّةِ، وفي هذا بيانُ أنَّ الجهادَ إنَّما شرَعَهُ اللَّهُ لحربِ الفسادِ في الأرضِ وإعلاءِ كلمةِ الحقِّ، وأنَّ عقوبةَ تَرْكِهِ تمزيقُ الأُممِ وتقاتُلُها، وذلك أنَّ الناسَ إنْ لم يُقاتِلُوا بالحقِّ الباطلَ، اقتتَلَ الحقُّ فيما بينَهُ حتى يُمزَّقَ، ثمَّ يَخلُفُهُ الباطلُ، ويَقتتِلُ الباطلُ فيما بينَهُ حتى يُمزَّقَ، ثمَّ يَخلُفُهُ الحقُّ، فيَدُور البشرُ في دائرةِ الفسادِ والإفسادِ، فيَدفَعُ اللَّهُ الفسادَ كلَّه بالجهادِ.
وفي قَرْنِ اللَّهِ لقطيعةِ الأرحام مع الإفسادِ في الأرضِ إشارةٌ إلى أنَّ الرحِمَ إنْ قُطِعَتْ، فسَدَتِ الأُمَمُ؛ لأنَّ الأرحامَ ووَصْلَها يعني اجتماعَ الناسِ؛ وذلك يَحفَظُ في النفوسِ الحياءَ وفطْرتَها الصحيحةَ، ولكنْ إنْ تمزَّقتْ، ذهبَ الحياءُ، وضَعُفَتِ الفِطْرةُ، وفعَلَتِ الحرامَ بلا خشيةٍ مِن اللَّهِ ولا حياءٍ مِن الناسِ؛ ولهذا شدَّدَ اللَّهُ في أمر الرَّحِمِ وعَظَّمَ شأنَها، وقد روى الشيخانِ؛ مِنْ حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ ﷺ، قال:(خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ، قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَت بِحَقْوِ الرَّحْمَن، فَقَالَ لَهُ: مَهْ؟ قَالَت: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَة، قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَك، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَاكِ)، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ (١).