للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

* قال اللَّهُ تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦)[الفتح: ١٦].

خَصَّ اللَّهُ الأعرابَ بالخِطَابِ في هذه الآيةِ عندَ قُرْبِ قتالِ المُسلِمنَ للمشرِكِينَ؛ وذلك لِمَا سلَفَ منهم مِن تَوَلِّ عن رسولِ اللَّهِ ورغبةٍ بأنفُسِهم عن نفسِه، وأمَّا القومُ الذين وصَفَهُمُ اللَّهُ بأنَّهم أُولُو بأسٍ شديدٍ، فقيل: إنَّهم هَوَازِنُ، وقيل: إنَّهم ثقيفٌ، وقيل: إنَّهم بنو حَنِيفةَ، وقبل: إنَّهم الفُرْسُ والرُّومُ، وقيل: التُّرْكُ؛ وبكلِّ هذا قال بعضُ السلفِ، والأظهرُ: عمومُ ذلك لكلِّ قومٍ يُقاتِلُهم المُسلِمونَ على الكفرِ.

وتتضمَّنُ هذه الآيةُ وجوبَ الجهادِ عندَ استنفارِ الإمامِ؛ لظاهرِ قوله تعالى: ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ﴾، ثمَّ توعَّدهم إنْ تخلَّفوا: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦)﴾، وقد تقدَّم الكلامُ على حُكْمِ استنفارِ الإمام وإجابتِهِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥)[آل عمران: ١٥٥]، وقولِه تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [التوبة: ٣٨]، وقولِه تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (٧١)[النساء: ٧١].

وفي قولِه تعالى: ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ دليلٌ على دَيْمُومةِ الجهادِ ما وُجِدَ الإسلامُ والكفرُ؛ وهذه الآيةُ نظيرُ قولِ اللَّهِ تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣)[البقرة: ١٩٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>