على أحوالٍ؛ وذلك أنَّه لا يخلو الجهادُ غالبًا مِن ذلك، خاصَّةً في الزمنِ المتأخِّرِ في زمنِ تكاثُرِ الشعوبِ والأُمَمِ واختلاطِها، وتترُّسُ الكفارِ بالمُسلِمينَ على أقسامٍ:
القسمُ الأوَّل: أنْ يتترَّسَ الكفارُ بفئةٍ مِن المُسلِمينَ، ومرادُهم حمايةُ أنفُسِهِمْ فقطْ، ولا خوفَ ولا ضررَ على جماعةِ المُسلِمينَ مِن تركِ أولئك الكافِرِينَ وإمهالِهِمْ حتى ينجوَ المؤمنونَ ولو طال الأمدُ، فلا يجوزُ رميُ المُشْرِكينَ بما يُقتَلُ به المُسلِمونَ؛ وذلك كحالِ النبيِّ ﷺ مع قريشٍ؛ إذْ منَعَهُ اللَّهُ مِن دخولِ مكةَ بقتالٍ يومَ الحُدَيْبيَةِ؛ لأنَّ في ذلك وَطْئًا للمُسلِمينَ المتخفِّينَ بإيمانِهم وَسَطَ المشركينَ، فيُقتَلُونَ مِن حيثُ لا يَعلَمُ المؤمنونَ، وإلى هذا ذهَب جمهورُ العلماءِ، خلافًا للحنفيَّةِ؛ فقد أجازُوا الضَّرْبَ بكلِّ حالٍ مع عدمِ قصدِ المُسلِمينَ عندَ الرَّمْي، ولو أصابوهم، فلا شيءَ عليهم.
القسمُ الثاني: أن يتترَّسَ الكفارُ بفئةٍ مِن المُسلِمينَ، وليس مرادُهُمْ حمايةَ أنفُسِهم فقطْ، بل للإضرارِ بالمُسلِمينَ، وبتركِ قتالِ المشرِكِينَ يَلحَقُ المُسلِمِينَ ضررٌ؛ وذلك كأنْ يتترَّسَ الكفارُ بالمُسلِمينَ ويَتَّخِذُوهُمْ دروعًا ليتقدَّمُوا ويَقتُلوا ويُصِيبوا المُسلِمينَ برَمْيِهِمُ الرصاصَ والقذائفَ والسِّهامَ، فيَظفَروا بالمُسلِمينَ وحُرُماتِهم، فإنِ امتنَعَ المُسلِمونَ عن رميهم، تضرَّرَ المُسلِمونَ، وإنْ صَدُّوهم، قتَلُوا المُسلِمينَ مع الكافرينَ، فلا يخلو الضررُ الذي يَلحَقُ المؤمنينَ مِن حالينِ:
الأُولى: أن يكونَ رميُ المشركينَ يُحقِّقُ ضررًا بالمُسلِمينَ المتترِّسينَ أشَدَّ مِن الضررِ اللاحقِ لجماعةِ المُسلِمينَ عندَ رمي العدوِّ لهم، كأنْ تكونَ الجماعةُ المُتترَّسُ بها كثيرةً كأَلْفِ رجلٍ وامرأةٍ مِن المُسلِمينَ، ولو رماهُم المُسلِمونَ، لَقَتَلُوهم جميعًا، ولو ترَكُوا العدوَّ يَرمِيهِم، فإنَّه