ولو قليلًا على جماعةِ المُسلِمينَ المقاتِلةِ، فإنَّه يجوزُ لهم أنْ يُبِيدُوا المشرِكِينَ ومَن تترَّسُوا به مِن أهلِ القريةِ جميعًا، وأسلحةُ اليومَ ليستْ كأسلحةِ السابقينَ، والتترُّسُ اليومَ ليس كالتترُّسِ السابقِ؛ وإنَّما الواجبُ التفصيلُ في مقدارِ الضررِ في التترُّسِ اللاحقِ مِن جِهَتَي المُسلِمينَ المُتترَّسِ بهم والمُقاتِلةِ.
وقد جاء عن مالكٍ؛ أنَّه سُئِلَ عن قومٍ مِن المشرِكِينَ في البحرِ في مَرَاكِبِهم أخَذُوا أُسَارَى المُسلِمينَ، فأدرَكَهُمْ أهلُ الإسلامِ وأرادوا أنْ يُحْرِقُوهم ومَرَاكِبَهم بالنارِ ومعهم الأُسارَى في مراكبِهم؟ قال مالكٌ: لا أرى أن تُلقى عليهم النارُ، ونَهَى عن ذلك وقال: يقولُ اللَّهُ ﵎ في كتابِهِ لأهلِ مكةَ: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (١).
ويجبُ أن يُعلَمَ أنَّ العلماءَ حينَما ينُصُّونَ على جوازِ قتلِ المتترَّسِ به عندَ وجودِ الضررِ بالمُسلِمِينَ، فإنَّهم يتكلَّمونَ على ضررٍ متحقِّقٍ، لا ظنيٍّ متوهَّمٍ.
القِسْمُ الثالثُ: التترُّسُ الذي يكونُ حالَ القتالِ وبتركِهِ يتعطَّلُ الجهادُ؛ وذلك أنَّه لا يتعلَّقُ بجهةٍ أو بقعةٍ وجماعةٍ معيَّنةٍ؛ وإنَّما يتعطَّلُ به سَيْرُ الجهادِ، ولا يتقدَّمُ المُسلِمونَّ له إلَّا بالرمي؛ ففي المسألةِ قولانِ قويَّانِ:
ذهَبَ الشافعيُّ: إلى جوازِ الرمي ولو قُتِلَ المتترَّسُ بهم؛ لأنَّ حُرْمةَ تعطيلِ الجهادِ أعظَمُ وأشَدُّ.
وذهَب الأوزاعيُّ واللَّيْثُ: إلى المنعِ.
ومَن قال بالجوازِ احتَجَّ بأنَّ اللَّهَ حرَّم قَتْلَ النساءِ والصِّبْيانِ والشيوخِ مِن المشرِكينَ، ولكنْ إنْ كان لا يستمرُّ الجهادُ ولا يُتمكَّنُ من العدوِّ إلَّا بذلك، جاز فعلُهُ مِن غيرِ قصدِهم؛ كما جاء في حديثِ الصَّعْبِ بنِ