للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواهُ ابنُ حِبَّانَ مرفوعًا: (مَنْ سَمَّعَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، دَخَلَ النَّارَ) (١)؛ يعني: سمَّعَهُ ما يُؤْذِيهِ ويَكرَهُهُ، وهذا لا دليلَ فيه؛ لأنَّ الغِيبةَ فيمَن لم بَسمَعْها، وإنْ سمِعها لم نكنْ غيبةً؛ وإنَّما أذًى، قد يحرُمُ وقد يجوزُ؛ بحسَبِ نوعِه وقدْرِه وأثرِه وكونِه حقًّا أو باطلًا.

الثاني: الجوازُ، وبه قال ابنُ المُنذِرِ؛ وذلك لأنَّ الكافرَ لا حُرمةَ له ولا دليلَ على تحريم غِيبتِه، وقد استدَلَّ على ذلك بعضُهم بحديثِ عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: (بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ)، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَط إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ، قَالَت لَهُ عَائِشَةُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إلَيْهِ؟ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدتِّنِي فَحَّاشًا؟ ! إنَّ شَرَّ النَّاسِ عندَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ: مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ) (٢).

وقد جعَلَهُ بعضُ الأئمَّةِ أصلًا في جوازِ غِيبةِ الفاجرِ والكافرِ.

* * *

* قال اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: ١٣].

في هذه الآيةِ: فضلُ معرفةِ الأنسابِ، وبيانُ منفعتِها، وأنَّها لتعارُفِ الناسِ فيما بينَهُمْ، وتراحُمِهِمْ وتواصُلِهِمْ وتناصُرِهِمْ، وحينَما ذكَرَ اللَّهُ التعارُفَ، جعَلَ فوقَهُ الإيمانَ، وأنَّ معرِفةَ الإيمانِ والتواصُلَ به أعظَمُ مِن


(١) أخرجه ابن حبان في صحيحه (٤٨٨٠)؛ من حديث أبي موسى -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه البخاري (٦٠٣٢)، ومسلم (٢٥٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>