للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَن كان مِن الكفارِ شَرُّهُ لا يَندفِعُ لقوَّتِه وسُوئِه، وعجَز المُسلِمونَ عنه إلَّا بتأليفِه بالمالِ، فهذا يجوزُ في المُحارِبِ على الاستثناءِ لا على الأصلِ؛ كما كان النبيُّ عزَمَ على إعطاءِ غطَفانَ بعضَ ثمرِ المدينةِ كفايةً لشرِّها، وكما كان يفعلُهُ مع المُنافِقينَ في المدينةِ مع ظهورِ بَغْيِهم وشَرِّهم.

النوعُ الثاني: مشرِكونَ مُسالِمونَ كأهلِ الذِّمَّةِ والعهدِ؛ فالأصلُ جوازُ الإحسانِ إليهم، وقد يُستحَبُّ ويُؤجَرُ عليه فاعلُهُ إنْ قصَدَ خيرًا مِن تأليفِ قلبِهِ وتقريبِهِ مِن الإسلامِ، وقد كان جماعةٌ مِن الصحابةِ يُهْدُونَ بعضَ الكافِرِينَ مِن جيرانٍ ونحوِهم؛ كابنِ عبَّاسٍ، وعبدِ اللَّه بنِ عمرٍو، وعائشةَ، وغيرِهم.

وصحَّ عن عائشةَ : أنَّ امرأةً يهوديَّةً سأَلَتْها فأَعْطَتْها (١).

وكان النبيُّ يَقبَلُ الهديَّةَ منهم ويُجازِيهم عليها، وكان يَقبَلُ مِن بعضِ المُنافِقينَ؛ ككساءِ عبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ للعبَّاس، ومُجازاةِ النبيِّ له بعدَ ذلك، وقد ثبَتَ في "الصحيحَيْنِ"، عن أبي حُمَيدٍ الساعديِّ؛ قال: "أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ" (٢)؛ يعني: بَلَدَهم.

وقد أَهْدَى ملكُ كِسْرَى وأُكَيْدِرُ دُومَةِ الجَنْدَلِ للنبيِّ ، فقَبِلَ منهما.

وأمَّا الإهداءُ للكافِرِينَ المُسالِمينَ وقَبُولُ ذلك منهم في يومِ عيدِهم الدنيويِّ، فجائزٌ، وأمَّا أعيادُهم التي يتقرَّبونَ بها لغيرِ اللَّهِ، فلا يجوزُ قَبُولُ ما يتقرَّبونَ به لآلهتِهم مِن مذبوحٍ وغيرِه، وما لم يكنْ قُرْبةً فالأظهَرُ جوازُه.


(١) أخرجه أحمد (٦/ ٢٣٨)، والبخاري (١٠٤٩)، ومسلم (٩٠٣).
(٢) أخرجه البخاري (١٤٨١)، ومسلم (١٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>