للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المائدة: ٨٩]؛ وهذا في كفَّارةِ الأَيْمانِ، وعامَّةُ المفسِّرينَ مِن السَّلَفِ في هذه الآيةِ: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ﴾ [المائدة: ٨٩] يذكُرونَ نوعَ الطعامِ ويفصِّلونَ فيه، وكلٌّ يفسِّرُهُ بنوعٍ بحسَبِ عُرْفِ بلدِه؛ لأنَّ المِقْدارَ عندَهم لم يَحُدَّهُ الشارعُ كزكاةِ الفِطْرِ؛ فأرجَعُوهُ إلى العُرْفِ.

ويذكُرُ أكثرُهم نصفَ الصاعِ مِن غيرِ الطعامِ المطبوخِ؛ للتغليبِ، وما دونَهُ فيه شكٌّ.

وأمَّا إذا كان الطعامُ طبيخًا، فلا يَحُدُّهُ أحدٌ منهم بشيءٍ إلَّا بما يتحقَّقُ منه الإطعامُ، وهو الشِّبَعُ.

وقد يتجوَّزُ بعضُهم بالمقدارِ دونَ نصفِ الصاعِ؛ لذا قال ابنُ عمرَ بالمُدِّ في إطعامِ الحامِلِ والمرضِعِ، وقال ابنُ المسيَّبِ بالمُدِّ من الحِنْطةِ، وهذا الذي يَجري عليه عملُ أهلِ المدينةِ:

فروى إسماعيلُ بنُ إسحاقَ: أنَّ المُدَّ يُجزِئُ بالمدينةِ.

وبيَّنَ مالكٌ: أنَّ الأمرَ إلى العُرْفِ بقولِه: "وأمَّا البُلْدانُ، فإنَّ لهم عَيْشًا غيرَ عيشِنا؛ فأرى أنْ يُكفِّروا بالوسَطِ مِن عيشِهم" (١).

وجاء عن غيرِ واحدٍ مِن السَّلَفِ مِن المفسِّرينَ عمومُ الإفطارِ؛ كابنِ عبَّاسٍ وغيرِه.

وأكثَرُ الفقهاءِ مِن الصحابةِ والتابعينَ على هذا، وبعضُهم يذكُرُ مقاديرَ وأنواعًا متبايِنةً؛ لتبايُنِ العرفِ وتنوُّعِ الأصنافِ التي يستعملُها الناسُ في البلدِ الواحدِ، واختلافُ الزَّمَنِ له أثرٌ أيضًا.

والإطعامُ في سائرِ الأبوابِ - في الصيامِ أو الكفَّاراتِ - مقدارُهُ واحدٌ سواءٌ عندَ العلماءِ.


(١) "المدونة" (١/ ٥٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>