وتفاضُلُ التداوي يُعرَفُ بالنظرِ إلى جهاتٍ متعدِّدةٍ؛ منها: النظرُ إلى المرضِ وطُولِهِ وقِصَرِه، وإمكانِ الشِّفَاءِ أو اليأسِ منه.
ومنها: النظرُ إلى أثرِه على دِينِ العبدِ؛ وذلك أنَّ التداويَ له أثرٌ على توكُّلِ العبدِ وتعلُّقِه باللَّه.
ومنها: النظرُ إلى الأثرِ المتعدِّي على غيرِه كالناسِ وأهلِه.
أمَّا مِن جهةِ النظرِ إلى عَيْنِ المرضِ: فمِن الأمراضِ ما يرتفِعُ بلا دواءٍ وإن طال وقتُهُ، فهذا الصبرُ عليه أفضَلُ، ومثلُه إن كان المرضُ غالبًا أنَّه لا يُشْفَى منه؛ فترك التداوي أفضَلُ مِن طلبِه، ما لم يُفوِّتْ تركُ التداوي مصلحةَ في دِينِ العبدِ أو دُنياهُ راجحةً على قعودِه.
وأمَّا مِن جهةِ النظرِ إلى أثرِه على العبدِ: فذلك أنَّه كلَّما كان أثرُ تَداويهِ على دِينِه ودينِ الناسِ أفضَلَ، كان التداوي في حقِّه أفضَلَ، وذلك كحالِ الرجلِ في الغزوِ الذي يَمرَضُ ولو ترَكَ التداويَ، لَلَحِقَ المُسلِمِينَ بتركِه ضُرٌّ، فتَداويهِ أولى وآكَدُ، ومِثلُه في العِلْمِ والإصلاحِ وحاجةِ الأهلِ والولدِ وتفرُّدِ المريضِ بقضائِها.
ومَن إذا ترَكَ التداويَ، تأثَّرَ في دِينِهِ وضعُف؛ كأنْ يطولَ قعودُهُ عن النوافلِ وقيامِ الليلِ والصَّدَقةِ؛ فإنَّ القلبَ يَستوحِشُ مِن قِلَّةِ الطاعاتِ إنْ طال وقتُ تركِ العبدِ لها ولو كان معذورًا؛ فهذا التداوي له أفضَلُ.
وذهَبَ بعضُ الحنابلةِ: إلى وجوبِ التداوي إن أمكَنَ الشفاءُ.
وإيجابُ التداوي ليس مِن قولِ السلفِ؛ وإنَّما هو لبعضِ الفقهاءِ المتأخِّرِين.